بالتوازي مع عملياته في ريف دير الزور ومحيط المطار والأحياء التي تسيطر عليها داعش، وتمكّنه من تحرير واستعادة بلدات وقرى عدة على ضفتي نهر الفرات التي حاولت واشنطن منع الجيش السوري من الوصول إليها، بدأ الجيش السوري والحلفاء عملية واسعة فجر 3 انطلاقاً من بلدة حميمة باتجاه مدينة البوكمال على الحدود مع العراق، والمقابلة لمدينة القائم العراقية. على أنّ هذه العمليات تأتي بشكل مفاجئ للولايات المتحدة و«قوات سورية الديمقراطية» التي سارعت إلى التحرك باتجاه دير الزور في محاولة لفرض أمر واقع ورسم خط أحمر يمنع الجيش السوري من حسم السيطرة على محافظة دير الزور كلّها، واستخدام ذلك ورقة بيد واشنطن في المفاوضات لمحاولة انتزاع مكاسب سياسية، ولهذا فإنّ عمليات الجيش السوري والحلفاء التي تواصلت من دون توقف هدفها كسر الخط الأحمر الجديد الذي حاولت واشنطن فرضه أمام تقدّم الجيش السوري والحلفاء، وذلك عبر التقدّم السريع لتطهير الحدود مع العراق وإحكام السيطرة عليها، ولوحظ أنّ هذه العملية تتمّ في الوقت نفسه الذي بدأ فيه الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي عملية تحرير المنطقة المقابلة من الحدود مع سورية، ونجحوا في تحرير عكاشات المتصلة بمدينة القائم، في سياق العمل على تحرير الحدود من الضفتين العراقية والسورية من سيطرة داعش، وبالتالي تأمين إعادة فتح الحدود العراقية السورية من معبر البوكمال، وكذلك طريق بغداد دمشق.
هذه العمليات العسكرية على ضفتي الحدود العراقية السورية، والمصحوبة بقصف الطائرات السورية لـ»قوات سورية الديمقراطية»، التي كانت تحاول التقدّم باتجاه المدينة الصناعية لمدينة دير الزور، إنما تؤشر إلى الدلالات التالية:
الدلالة الأولى: تصميم سورية وحلفائها على تحرير واستعادة كامل الأرض السورية من سيطرة الإرهابيين وعدم السماح بأيّ خطوط حمراء تحاول واشنطن فرضها أمام تقدّم الجيش السوري وحلفائه في أيّ منطقة من الأرض السورية. وقد جاء بيان غرفة عمليات قوات الحلفاء ببدء المرحلة الثالثة من العمليات العسكرية، لتحرير كامل محافظة دير الزور وصولاً إلى الحدود مع العراق، بمثابة تأكيد على هذا التوجه ورسالة حازمة للولايات المتحدة بأنه ليس هناك من قوة يمكنها إعاقة هذه العمليات.
الدلالة الثانية: نجاح الجيش السوري بدعم من الحلفاء في كسر الخطوط الحمر الجديدة التي أعلنت عنها واشنطن في شرق الفرات وباتجاه البوكمال، تماماً كما أسقط سابقاً الخطوط الحمراء الأميركية قرب التنف لمنع استمرار تقدّم الجيش السوري في البادية نحو الحدود مع العراق، وكما نجح في كسر الخطوط الحمراء التي حاولت وشنطن فرضها في الأحياء الشرقية لحلب، وفي ريف الرقة الجنوبي والغربي، وبالتالي نجاحه في إقفال الطريق أمام هروب مسلّحي داعش من مدينة الرقة إلى دير الزور بالتواطؤ مع أميركا و«قوات سورية الديمقراطية».
الدلالة الثالثة: تأكد مجدّداً أنّ الولايات المتحدة تراجعت عن الإقدام على التصادم وخوض المواجهة العسكرية المباشرة مع الجيش السوري وحلفائه، عندما وجدت أنّ هناك قراراً حازماً من القيادة السورية بالاستعداد للمواجهة والتصدّي لأيّ عدوان أميركي أو أيّ محاولة أميركية لمنع تقدّم الجيش السوري لاستعادة كلّ الأرض السورية من سيطرة التنظيمات الإرهابية، وظهر ذلك عندما أعلنت واشنطن أنه يُعتقد بأنّ طيراناً روسياً قد قصف مواقع لـ»قوات سورية الديمقراطية» في ريف دير الزور، وذلك لتبرير عدم إقدامها على الردّ حتى لا تقع مواجهة أميركية روسية، لكن مَن يدقق في الأسباب الفعلية يدرك بأنّ واشنطن تجنّبت اتهام الطيران السوري بالقصف، لأنها لا تريد أن تحرَج أمام حلفائها الأكراد من عدم الردّ، وانكشاف تردّد وعجز وعدم قدرة أميركا على التورّط في حرب أكثر كلفة من حرب العراق ولن تخرج منها منتصرة وقد تقود إلى حرب إقليمية تلحق الضرر الفادح بالمصالح الأميركية في المنطقة وبالكيان الصهيوني.
الدلالة الرابعة: انكشاف عدم استعداد أميركا للدفع بجنودها للقتال المباشر على الأرض السورية واقتصار دور قواتها على تقديم الاستشارة لـ»قوات سورية الديمقراطية» وقصف بعض مسلحي داعش الخارجين عن سيطرتها وتوجّهاتها، وأنّ أميركا إنما تريد أن تقاتل بـ «قوات سورية الديمقراطية» إلى النهاية، لكنها لن تكون مستعدّة للمشاركة المباشرة في الدفاع عنها، بل إنها في نهاية المطاف لن تتردّد في التخلي عنها أمام إصرار القيادة السورية على التصدّي بحزم لأيّ محاولة لفرض أو إقامة كونفدرالية كردية في شمال شرق سورية، وكذلك أمام رفض تركيا الحازم والقاطع لمثل هذا الطموح الكردي. وهو ما كشف عنه السفير الأميركي السابق في سورية روبرت فورد، في مقابلة له مع جريدة «الشرق الأوسط» في آب الماضي، عندما حذّر الأكراد من الوثوق بأميركا التي ستتخلّى عنهم في نهاية الأمر، لأنها لا تريد أن تخسر حليفتها الاستراتيجية تركيا من ناحية، ولا تريد التصادم مع الجيش السوري وحلفائه، لأنه سيؤدّي إلى التورّط في حرب واسعة ليست على استعداد للدخول فيها من ناحية ثانية.
الدلالة الخامسة: تبيّن بوضوح التنسيق العملي بين العراق وسورية من خلال توقيت بدء العمليات العسكرية لتحرير المناطق الحدودية العراقية ـ السورية من سيطرة داعش، وقد أدّى نجاح الجيش السوري في قطع الطريق على داعش بين العراق وسورية من خلال إحكام السيطرة على قرية الجفرة، إلى توجيه ضربة موجعة جديدة للمخطط الأميركي، الذي سعى من دون جدوى إلى منع وصول الجيش السوري وحلفائه إلى الحدود السورية مع العراق، ومحاولة تأخير ومنع قوات الحشد الشعبي من مواصلة تحرير المناطق الحدودية المقابلة.
إنّ هذا التطوّر الميداني على ضفتي الحدود العراقية السورية يشكل تحوّلاً هاماً ومفصلياً يؤكد انقلاب المعادلات وموازين القوى على الأرض، وصولاً إلى تحقيق التواصل الجغرافي المباشر بين البلدين، واستطراداً بين أطراف حلف المقاومة، مما يُعتبر هزيمة استراتيجية للمشروع الأميركي الصهيوني، الذي استهدف من خلال حربه الإرهابية الكونية على سورية إسقاط الدولة الوطنية السورية، وإقامة نظام عميل لأميركا، وعزل إيران، ومحاصرة المقاومة في لبنان، وصولاً إلى العمل على القضاء عليها وفرض الوصاية الأميركية الكاملة على لبنان.
لهذا يمكن القول إنّ ما يحصل في دير الزور يشكّل انتصاراً مدوّياً لمحور المقاومة.