لا يحسب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البرزاني عواقب الاستفتاء الرامي إلى الانسلاخ عن العراق وإقامة كيان انفصالي، فهو لا يزال يقرأ في دفاتر الوعود الأميركية بمساعدته على هذا الانفصال، ويتعامى عن حقيقة أنّ الظرف الراهن لا يسمح للولايات المتحدة الأميركية بأن تحقق وعودها، لأنها لم تحقق أصلاً النتائج التي توخّتها من خلال مشروع الفوضى الهدامة الذي اجتاح المنطقة.
ويُخطئ البرزاني في الحساب إذا كان يعتقد بأنه يستطيع الاستثمار في الخراب الذي خلّفه الإرهاب في العراق وسورية، في وقت لم تستطع الدول الكبيرة والصغيرة، ومعها «إسرائيل» التي صنعت الإرهاب ورعته وشغلته من الاستثمار في ما أحدثه من قتل وخراب وتدمير.
ويضع البرزاني نفسه وحزبه في مأزق كبير إذا استمرّ على تعنّته، خصوصاً أنّ هناك أحزاباً أخرى تقاسمه تمثيل الشريحة الكردية، أعلنت مواقف رافضة إجراء الاستفتاء، والاشتراك في مخطط الانفصال وتقسيم العراق.
وفي هذا السياق لا يمكن المرور على الموقفين الإيراني والتركي من دون فهم طبيعة تفكير هاتين الدولتين. فطهران وأنقرة لا تجدان حرجاً في اتخاذ خطوات تصعيدية لضمان عدم المساس بأمن دولتيهما واستقرارهما. وستكونان إلى جانب بغداد في أيّ قرار تتخذه للحؤول دون حدوث الانفصال الذي يدعو إليه البرزاني. وقد بدا واضحاً أنّ الحكومة العراقية عازمة ومصمّمة على صون وحدة العراق، وقد تجلى هذا الموقف في قرار المحكمة الاتحادية العليا بوقف الاستفتاء وإعلان رئيس الحكومة حيدر العبادي الاستعداد لوقف الاستفتاء. ويتكئ العبادي في هذا الموقف الحازم على عناصر القوة المتمثلة بالجيش العراقي والقوى الرديفة، التي أظهرت كفاءة وقدرة كبيرتين في الحرب ضدّ الإرهاب وإلحاق الهزيمة به.
كما لا يمكن إغفال تطورات الميدان السوري وانتصارات الجيش السوري التي تشكل تدعيماً للموقف العراقي ضدّ أيّ شكل من أشكال التقسيم.
إضافة إلى ذلك، فإنّ رهان البرزاني على جرعات دعم أميركية وأوروبية، هو رهان خاسر، خصوصاً بعد صدور مواقف وإشارات أميركية وفرنسية باردة حيال الاستفتاء المزمع. وفي العلن سجلت هذه المواقف في خانة الرفض، ما يجعل مسعود البرزاني في موقف صعب، يحدّ من تأثيره لصالح الأحزاب الأخرى التي نأت بنفسها عن فخ الانفصال، لاعتبارات موضوعية ترى في بقاء العراق واحداً موحداً مصلحة لكلّ العراقيين بمختلف أطيافهم الاجتماعية والسياسية، ولقناعتها بأنّ الانفصال ستكون له تداعيات خطيرة تهدّد المنطقة برمّتها.