بحسب أكثر من تحليل غربي في ما خصّ مُستقبل منطقة الشرق الأوسط، يبدو أنّنا سنكون في المدى المنظور أمام فرصة حقيقيّة لإعادة تحريك المفاوضات الفلسطينيّة الإسرائيليّة المُتوقّفة منذ العام 2014، على أن تلعب مصر دور الراعي الإقليمي المُؤثّر في هذه المفاوضات. وبحسب تحاليل غربيّة مُتقاطعة أيضًا يبدو أنّ الجُمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة التي نجحت في السابق في إفشال إتفاق أوسلو(1) وما تلاه من إتفاقات جزئيّة، عازمة اليوم أكثر من أي وقت مضى على إفشال أي مُحاولة جديدة للتطبيع الفلسطيني مع إسرائيل، الأمر الذي يُنذر بأن يشهد الخط القتالي المُباشر مع الإسرائيليّين، والذي يمتدّ من الجنوب اللبناني مُرورًا بمزارع شبعا المُحتلّة وُصولاً إلى الجنوب السوري المُحتلّ، تحريكًا ميدانيًا في المُستقبل غير البعيد. فهل يتجه الفلسطينيّون فعلاً نحو السلام؟ وهل يتجه اللبنانيّون في المُقابل نحو الحرب؟!.
بسبب التغييرات العسكريّة والأمنيّة والسياسيّة التي هزّت العديد من الدول العربيّة خلال السنوات السبع الأخيرة، وتحديدًا منذ الثورة التونسية في كانون الثاني 2010 حتى اليوم، تراجع ملفّ القضيّة الفلسطينيّة الذي كان له التأثير الأكبر على شُعوب الشرق الأوسط والمنطقة بكاملها على مدى أكثر من سبعة عُقود، إلى مرتبة مُتدنّية في سُلّم الأولويّات. لكن يبدو أنّ هذا الملف سيشهد في المُستقبل القريب دفعة نحو الأمام، بعد التوافق بين عدد من الدول الكُبرى على تسليم مصر إدارة هذا الملف مع الجانب الإسرائيلي، برعاية أميركيّة مُباشرة، على أمل النجاح في إحداث الخرق المُنتظر منذ سنوات وعُقود طويلة على طريق السلام بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين.
وليس سرًّا أنّ الحصار الذي مُورسَ على "حركة حماس" من قبل إسرائيل، والذي ترافق مع أكثر من مُواجهة ميدانيّة مُدمّرة للبنى التحتيّة، ساهم في إضعاف قُدرات "حماس" بشكل كبير، علمًا أنّ الضغوط السياسيّة وسياسة المُقاطعة التي إعتمدتها السُلطة الفلسطينيّة بقيادة محمود عبّاس بوجهها، لعبت دورًا حاسمًا في إضعاف قُدراتها على الصُمود أكثر فأكثر. وجاءت خلافات حماس مع مصر بسبب دعمها حُكم "الإخوان المُسلمين"، ثم مع سوريا وإيران، بسبب موقفها من الحرب السوريّة، لتعزل الحركة كليًا عن العالم الخارجي ولتوقف مدّها بالسلاح والمال بشكل كامل، ولتحوّل حماس إلى سُلطة فاقدة لإمكانات المُواجهة والصمود على مُختلف الصعد. وقد سمح هذا الأمر بدخول إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الخط، في مُحاولة جديدة منه لإعادة تحريك مُفاوضات السلام بين الإسرائيليّين والفلسطينيّين، بعد إنهاك حماس وإخضاع السُلطة الفلسطينيّة. وأولى الدلائل على تراجع القُدرة على المُواجهة، تمثّل في إعلان حركة حماس من القاهرة بالتحديد، حل حُكومتها في قطاع غزّة المعروفة بإسم "اللجنة الإداريّة"، والمُوافقة على إجراء إنتخابات عامة، ثم دعوتها الحكومة الفلسطينية برئاسة رامي الحمد الله لتسلّم مهمّاتها في غزّة في أسرع وقت، في الوقت الذي يستمرّ فيه توافد الموفدين الأميركيّين إلى المنطقة بشكل دوري، لترتيب أسس جولات التفاوض الجديدة المُرتقبة والتي ستتمّ وفق أسلوب أكثر مرونة من السابق ولفترة زمنيّة غير مفتوحة. ومن المُرتقب أن يتقدّم البحث في موضوع تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس في الأيام والأسابيع القليلة المُقبلة، كدليل آخر على مساعي التهدئة الرامية إلى تحضير الأجواء لجولة تفاوض جديدة.
وعلى خطّ مُواز، تُواصل إيران التي نجحت في منع إسقاط نظام الرئيس السوري بشّار الأسد، من خلال مُختلف الفصائل المُقاتلة التي إستقدمتها إلى سوريا، وبفضل الدعم الجوّي الروسي الكبير، مساعيها لفرض جبهة قتالية واسعة بوجه إسرائيل، خاصة وأنّ إنحسار المعارك في الداخل السوري، سيسمح للقوى المُقاتلة التي دعمت الجيش السوري في معاركه العديدة، بالتفرّغ أكثر لمهمّات قتاليّة أخرى. وما الطائرات المُسيّرة التي تُوجّه عن بُعد نحو إسرائيل بين الحين والآخر، وآخرها طائرة قامت بمهمّة إستطلاعيّة فوق الجولان السوري المُحتلّقبل أن يتم إسقاطها من قبل الإسرائيليّين، سوى رسائل علنيّة بأنّ المعركة المُقبلة مع إسرائيل ستكون شاملة. وإذا كانت إسرائيل قد نفّذت بالأمس القريب مُناورات عسكرية ضخمة كرسالة تحذير من مغبّة التعرّض لأمنها، فإنّ رسائل التخويف الإسرائيليّة تُقابل بالعمل العسكري الجدّي تحضيرًا للحرب المُقبلة. وفي هذا السياق، تؤكّد مُختلف المعلومات والتقارير المُتوفّرة، إستمرار التحضيرات الميدانيّة للمُواجهة المُقبلة مع إسرائيل، لجهة المُضيّ قُدمًا بعمليّات نقل الأسلحة إلى "حزب الله"، وبتدريب مجموعات مُقاتلة سوريّة مُستحدثة، وبتحضير البنُى التحتيّة للقتال على طول الحدود المُشتركة بين لبنان وسوريا من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، وحتى بمُواصلة مُحاولات تصوير المواقع الإسرائيليّة من الجوّ عبر طائرات مُسيّرة عن بُعد. وتُحاول إيران أيضًا إعادة حركة حماس إلى حضنها وتجاوز كل خلافات الماضي القريب، لتكون قادرة على تفجير أي مُفاوضات فلسطينيّة مُحتملة مع الإسرائيليّين، من خلال حثّ حماس على رفض أي مفاوضات جديدة، وربما إقناعهابتنفيذ هجمات عسكرية وأمنيّة، كما كان يحصل في السابق.
في الختام، لا شكّ أنّ الإحتمالات كلّها مفتوحة على مصراعيها في ما خصّ مُستقبل منطقة الشرق الأوسط، في ظلّ السباق القديم-الجديد بين جُهود السلام وجولات الحرب. وكلّما إقتربنا من نهاية الحرب السوريّة، كلّما سنكون قد إقتربنا من العودة إلى الصراع الأساسي المُتمثّل بالقضيّة الفلسطينيّة. فهل ستنجح الجُهود الدَولية المُرتقبة في إيجاد الحلّ السلمي العادل للفلسطينيّين والمنطقة عُمومًا، أم أنّنا سنكون في إنتظار شرارة ما، لإطلاق مُواجهة عسكريّة جديدة ستكون أشدّ إيلامًا لجميع الأطراف التي ستُشارك فيها هذه المرّة؟!.
(1) "إتفاق أوسلو" الذي وُقّع في واشنطن في 13 أيلول 1993، بُحضور ورعاية الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلينتون، هو إتفاق سلام وقّعه مُمثلون عن إسرائيل وعن "مُنظّمة التحرير الفلسطينيّة"، قضى بالإعتراف المُتبادل وبإطلاق سلسلة من المفاوضات لحل القضايا العالقة بين الطرفين.