"ترامب يريد توطين اللاجئين"، بهذه العبارة عنونت أغلب الصحف اللبنانية، وحول هذا الموضوع دارت أغلب التصريحات السياسية في لبنان اليوم، بعد خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الأمم المتحدة. وبكل صراحة أعلنها، كاشفاً استراتيجية الولايات المتحدة "تجاه اللاجئين الهاربين من الحرب في سوريا والعراق ودول الجوار".
كما أكد ترامب رغبته في توطين اللاجئين في دول الاقليم المحيط بسوريا والعراق، ولبنان واحد من هذه الدول. وبالتالي فإن النية الأميركية قد ظهرت إلى العلن وعلى لسان رأس هرم السلطة هناك: التوطين هو الحل.
بعيداً عن المزايدات السياسية التي كانت تصدر في ما مضى حول قضية توطين السوريين في لبنان، يبقى كلام ترامب الأكثر خطورة في هذه القضية. فلأول مرة يتم طرح هذا الموضوع في هكذا مناسبة وبهذا الوضوح. فهل سنصل إلى توطين السوريين في لبنان بعد أن كان البحث جارٍ عن اعادتهم إلى أرضهم؟.
خطورة الخطاب
"خطاب ترامب كان مفاجأة للعالم"، هكذا يصف المحلل السياسي طارق ابراهيم الخطاب في الأمم المتحدة، معتبراً أن "خطورته لا تكمن فقط في مطالبته بوضع "حزب الله" على لائحة الارهاب أو في التهديدات التي أطلقها ضد كوريا الشمالية، بل الخطورة تتجلى في اعلانه عن رغبته بتوطين اللاجئين في الدول التي يتواجدون فيها".
ويرى ابراهيم أن على "رئيس الجمهورية ميشال عون أن يطفئ نار هذا التصريح او ان يستوضح بشكل مباشر من القيادة الأميركية هذا الموضوع"، لافتاً إلى أن "خطورة هذا التصريح تكمن في انه يأتي من الرئيس مباشرة وامام وفود العالم وهذا يعني ان هذا المشروع قد يطرح في الدوائر الدبلوماسية، كما ان المعلومات تشير إلى أن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون بصدد القيام بجولة لاقناع العالم بهذا الاقتراح".
ويشدد ابراهيم على أنه "على الجانب اللبناني أن يمتلك موقفاً موحداً في رفض هذا المشروع الخطير الذي يشكل تهديداً للأمن الوطني، وعلينا انتظار الموقف الرسمي اللبناني لنرى ما سيقوم به رئيس الجمهورية بعد عودته الى لبنان".
خطر جدّي
حينما يُطرح موضوع توطين السوريين، أول ما يخطر على أذهان اللبنانيين الحرب اللبنانية التي حصلت بعد اجماع دولي على توطين الفلسطينيين في لبنان، واعتبار هذا البلد وطناً ثانياً لهم. وبالتالي إن أي طرح لتوطين السوريين، وكأنه تلميح باعادة الخراب والحرب الى لبنان.
من وجهة نظر الصحافي والسياسي اللبناني نوفل ضو، فإن "الطابة في يد اللبنانيين وليس في يد أي جهة أخرى فيمكن لأميركا والرئيس الأميركي أن يكون لديهما آراء حول التوطين والنزوح كما يمكن أن يكون للبنانيين آراء أخرى مغايرة. واذا كان الشعب اللبناني يمتلك رأياً مغايراً للرأي الاقليمي والدولي فبالتأكيد يمكنه مواجهته". ويستذكر ضو الحرب اللبنانية قائلاً "لدينا تجارب سابقة في العام 1975 عندما كان القرار الاميركي ومدعوماً بقرار سوري يهدف الى تلزيم لبنان لسوريا، لضربه وجعله وطناً بديلاً للفلسطيين، الا ان لبنان واجه المشروع الدولي في حينه ونجح في ذلك"، لافتاً إلى أنه "اليوم اذا اراد اللبنانيون مواجهة القرار الدولي وكان لديهم حسابات داخلية لا دولية فيمكنهم فعل أي شيء".
وأعرب ضو عن تخوفه من امتلاك بعض الأفرقاء السياسيين أجندات خارجية، معتبراً أنه "اذا كان لديهم صفقات على حساب لبنان وتبادل نفوذ اقليمي في بعض الأمكنة وعمليات تسويات لاعادة رسم المنطقة بطريقة او بأخرى فأعتقد أن لبنان سيكون أمام خطر جدي".
أما ابراهيم، فيرى وكأن "التوطين قدر لبنان، والحرب اللبنانية بدأت بعد مخططات توطين الفلسطينيين واذا لم يتم ايقاف موضوع التوطين السوري، فيكون المجتمع الدولي يدفع لبنان إلى مناخات سلبيّة جداً نرجو ألاّ نصل اليها"، واصفاً "الطرح الاميركي بأنه ابتزاز للطرف اللبناني".
يتهرّب معظم السياسيين في لبنان من البدء بخطط لاعادة النازحين الى بلدهم بحجة عدم رغبتهم بالحوار مع النظام السوري. الهدف الأساسي لهم هو استقطاب أكبر قدر من الرأي العام، وليس هدفهم حماية لبنان. وفي ظل غوص الجميع في متاهات طريقة إعادة النازحين الى ارضهم، فإن بعض المجتمع الدولي المتربص بأمن لبنان، يعمل على إخاطة حبكة جديدة لتفكيك المجتمع اللبناني. والآن على الطبقة السياسية الاختيار ما بين اعادة النازحين السوريين بأي ثمن، او التضحية بلبنان كرمى لعيون الأميركي.