منذ أشهر بدأت معركة تحرير المدن السورية والعراقية من عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي، الأمر الذي فجر خلافات بين القوى التي تريد أن تشارك في المعارك، لا سيما في الموصل والرقة ودير الزور، سعت الولايات المتحدة، خصوصاً على الساحة العراقية، إلى تأجيلها إلى حين إنتهاء المعارك التي كانت تريد إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما إستثمارها في السباق الرئاسي بين الرئيس الحالي دونالد ترامب ومنافسته المرشحة عن الحزب "الديمقراطي" هيلاري كلينتون.
اليوم، يبدو أن هذه الخلافات لم تعد قابلة للتأجيل مرة جديدة، لا سيما بعد أن أعلن الأكراد في إقليم كردستان العراق نيتهم الذهاب إلى إجراء إستفتاء على الإستقلال، الأمر الذي أثار حفيظة الحكومة العراقية، بالإضافة إلى القوى الإقليمية الفاعلة، لا سيما تركيا وإيران، في مقابل إعتراضات دولية أخرى على التوقيت لا على المضمون، في وقت يقترب فيه موعد المواجهة المحتملة، سواء كانت عسكرية أو سياسية، بين أكراد سوريا والحكومة في دمشق، لا سيما بعد تداخل ساحات المعركة المشتركة في دير الزور.
من هذا المنطلق، تشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن الأكراد في سوريا والعراق يراهنون على الدعم الأميركي والأوروبي لتحقيق أحلامهم، بعد أن باتوا يشعرون بقوة عسكرية لا يستاهن بها، تلقت الدعم من جهات في إطار الحرب على الإرهاب، لكنها توضح أنهم في المقابل لا يزالون يصطدمون بمعارضة القوى الإقليمية المجاورة، التي لن تقبل بخطوات قد يكون لها تداعيات على أوضاعها الداخلية، وتلفت إلى أن هذا ما يُفسر المواقف المتشددة من جانب كل من طهران وأنقرة.
وفي حين تشدد هذه المصادر على أن الدعم العلني الوحيد للخطوات الكردية يأتي من الجانب الإسرائيلي، توضح أن هذا الأمر ناجم عن قناعة تل أبيب بأن العبث في خارطة الشرق الأوسط سيقود إلى ولادة دول طائفية ومذهبية وأثنية، يبرر ما يعرف بـ"يهودية الدولة"، إلا أنها تؤكد بأن أي خطوة كردية غير محسوبة النتائج سيكون لها تداعيات كبيرة على الأوضاع في المنطقة.
من وجهة نظر هذه المصادر، لا يمكن توقع صمت الحكومتين التركية والإيرانية على مثل هذا الأمر، وتلفت إلى أن الأمر قد لا يتوقف عند التهديدات التي تطلق بمحاصرة إقليم كردستان أو الكيان الذي يتم العمل على إنشائه داخل الأراضي السورية، بل ربما يصل إلى إطلاق حملات عسكرية لإجهاض مثل هذه المشاريع في مهدها، من دون تجاهل الرفض السوري الرسمي لهذا الأمر، بالإضافة إلى الرفض العراقي الذي تعبر عنه كافة القوى العراقية غير الكردية، وتضيف: "هذا الواقع يعني دون أدنى شك إنطلاق مواجهات عسكرية لا أحد يعرف متى تنتهي، لكن الأكيد أن الأكراد سيكونون الخاسر الأكبر منها، نظراً إلى أنهم لا يمتلكون القدرة على مواجهة كل القوى الإقليمية المحيطة بهم في الوقت نفسه".
وفي حين تؤكد المصادر نفسها على أن بعض الجهات العربية، لا سيما البلدان الخليجية، تقدم الدعم للأكراد في الخطوات التي ينوون القيام بها، ولو بشكل غير مباشر، على قاعدة أنهم الورقة الرابحة في هذه المرحلة، تلفت إلى أن الأساس هو الموقف الأميركي، الذي لا تستطيع أي جهة الحسم فيه، وتسأل: "هل ستكون الإدارة الأميركية على إستعداد للتدخل عسكرياً لحماية الأكراد، عند وقوع أي مواجهة مع تركيا أو إيران أو العراق أو سوريا، خصوصاً أنها، في العلن، لا تبدو متحمسة للإستفتاء في إقليم كردستان بل تسعى إلى تأجيله، لا سيما أنه قد يؤدي إلى تشتيت جهود محاربة الإرهاب، بينما هي تسعى إلى تحقيق إنتصار معنوي كبير على هذا الصعيد، في ظل الضغوطات التي تتعرض لها على المستوى الداخلي"، وتذكر بالنصائح التي كان السفير الأميركي السابق روبرت فورد قد قدمها إلى الأكراد في سوريا في الآونة الأخيرة، لناحية الذهاب إلى التفاهم في دمشق بدل المواجهة لأن بلاده لن تدافع عنهم.
في المحصّلة، يحتدم الصراع على وراثة "داعش" في هذه الأيام، في ظل خطوات تصعيدية من جانب الأكراد غير مسبوقة، فهل يكون ذلك في إطار لعبة رفع سقف المطالب، قبل الجلوس على طاولة المفاوضات، أم أن موعد إنطلاق جولة جديدة من المواجهات العسكرية قد اقترب؟.