بحسب مجموعة واسعة من التحاليل الغربيّة والتي تتقاطع مع معلومات من أكثر من مصدر، فإنّ العام 2018، هو سنة الحلول المُرتقبة لأزمات الشرق الأوسط والعالم العربي، مع كل ما يحمله هذا الأمر من عمليّات شدّ حبال مُرتقبة بين القوى الإقليميّة والدَولية للحفاظ على مصالحها ونفوذها. والسؤال الذي يفرض نفسه في ظلّ هذا الواقع: هل ستكون الحلول في سوريا بالتحديد، على حساب لبنان؟.
قبل الإجابة على هذا السؤال، لا بُد من الإشارة إلى أنّ الإدارة الأميركيّة بقيادة الرئيس دونالد ترامب تعمل على إنضاج مُحاولة جديدة لتحريك ملف المفاوضات الفلسطينيّة-الإسرائيليّة وفق مُقاربات مُختلفة عن السابق، وتحت سقف حلّ شامل للقضيّة الفلسطينيّة. وعلى خطّ مواز يعمل أكثر من طرف دَولي على إنهاء المعارك في اليمن، في حين تعمل أطراف أخرى على حلّ الخلافات بين قطر والدول الخليجيّة. وبالنسبة إلى العراق، فإنّ الأشهر المُقبلة ستحمل نهاية تنظيم "داعش" الإرهابي بشكل كامل، مع دُخول أكثر من طرف على خط الوضع النهائي لهذا البلد الذي أنهكته الحروب منذ ثلاثة عُقود، ومع تسجيل مُحاولات كرديّة جدّية للإنفصال. وبالنسبة إلى سوريا، فإنّ الأشهر المُقبلة ستشهد أيضًا مزيدًا من المعارك في إطار وضع اللمسات النهائية لحجم السيطرة الميدانيّة للنظام السوري والقوى الحليفة، في مُقابل مُحاولات من جانب "قوّات سوريا الديمقراطيّة" والجماعات الكرديّة المُسلّحة للإحتفاظ بمناطق سيطرة ميدانيّة، تعزيزًا لشروطها في مرحلة التفاوض النهائية. وكل هذه المشاكل والحروب مُرشّحة لأن تشهد مُحاولات جدّية للحلّ إعتبارًا من العام 2018 المُقبل.
ومُشكلة لبنان أنّ إرتدادات أكثر من حرب في المنطقة تظهّرت في ربوعه خلال السنوات القليلة الماضية، لا سيّما إرتدادات الحرب السوريّة، بمفاعيلها السياسيّة والعسكريّة والأمنيّة والإقتصاديّة والديمغرافيّة. وإذا كان لبنان تأثّر بالصراع المُستمر في المنطقة بين إيران وحلفائها من جهة والسعودية وحلفائها من جهة أخرى، فإنّ الأذى الأكبر الذي لحق بلبنان تمثّل بتواجد نحو مليون ونصف مليون سوري على أرضه، تحت عنوان اللاجئين السوريّين. والخشية التي كانت صغيرة في البداية من أن يصير هذا اللجُوء المُوقّت وجودًا دائمًا، تحوّلت في المرحلة الأخيرة إلى خوف كبير تعزّز ليس فقط عبر الخطابات الدَولية التي تدعو إلى توطين اللاجئين السوريّين حيث هم، وأبرزها لكل من أمين عام الأمم المتحدة السابق بان كي مون، والرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولكن من خلال المُعطيات الميدانيّة أيضًا.
وفي هذا السياق، وعلى الرغم من حال الهدوء والإستقرار في العديد من المدن والقرى في سوريا، بعد نجاح الجيش السوري - بدعم إيراني – روسي كبير، في طرد مُختلف الجماعات المُصنّفة "مُعارضة للنظام" منها، لم يشهد لبنان تغيّرًا يُذكر في حجم اللاجئين السوريّين على أراضيه. والمُفارقة أنّ مُعارضي النظام من هؤلاء اللاجئين لا يُريدون العودة، وهم عمدوا إلى تأسيس حياة جديدة لهم في لبنان، مُستفيدين من فرص العمل الموجودة لهم، ومن تلقّيهم دعمًا ماليًا دَوريًا، ومن فتح أبواب المدارس لأولادهم. وبالنسبة إلى السوريّين الذين لا مُشكلة لديهم بالدخول إلى سوريا وبالخروج منها، فهم بدورهم باتوا يستفيدون من وجودهم في لبنان بشكل كبير من النواحي الإقتصاديّة والمالية والحياتيّة.
والخوف الكبير من أن تتجاهل الحلول الكُبرى التي تُرسم للمنطقة، ومنها الحلول الخاصة بسوريا، مُشكلة اللاجئين السوريّين وضرورة عودتهم إلى ديارهم، بحيث يدفع لبنان عندها الفاتورة الأعلى بين الدول المُجاورة التي تحمّلت جزءًا من أعباء النزوح السوري، وذلك بسبب صغر حجمه الجغرافي، وكثافة عدد سُكانه نسبة إلى مساحته الإجمالية. ولا داعي للتذكير بكل المشاكل السياسيّة والأمنيّة والإقتصاديّة والديمغرافيّة التي سبّبها وجود هذا العدد الكبير من النازحين السوريّين في لبنان، لتضاف إلى مشاكل لبنان المُتعدّدة، وإلى الحزازيّات الطائفيّة والمذهبيّة التي يُعاني منها. وليس مُستبعدًا أن يكون حلّ القضيّة السوريّة على حساب لبنان، لأنّ النظام السوري لا يرغب على الإطلاق بعودة النازحين المُعارضين له، والدول الإقليميّة والدَوليّة التي تسعى للإحتفاظ بنفوذها وبمصالحها في أي حلّ مُرتقب، لا تُعطي هذه القضيّة أهمّية كُبرى، وتكتفي بتنفيذ إلتزاماتها المالية إزاء هذا الملفّ، وبالحرص على عدم تدفّق اللاجئين السُوريّين بأعداد كبيرة إلى بُلدانها! كما أنّ العلاقات السياسيّة السيّئة بين جزء من المسؤولين اللبنانيّين والنظام السوري تلعب دورًا سلبيًا إضافيًا، علمًا أنّ مُحاولة النظام نفسه وبعض المسؤولين اللبنانيّين الآخرين إستغلال هذا الملفّ للإنتقام من خُصومهم السياسيّين ولإخضاعهم، لا يُساهم في تسريع الحلول على الإطلاق.
ما لم يتمّ فرض بند عودة اللاجئين ضُمن الحلول المُرتقبة لسوريا، فإنّ التعويل على العودة الطوعيّة لجزء من اللاجئين للمُشاركة في إعادة إعمار سوريا، سيكون عندها الرهان الوحيد للبنان واللبنانيّين للتخفيف من وطأة النزوح السوري، طالما أنّ الخلافات الداخليّة لا تزال تحول دون وضع خُطة جدّية وحازمة للبدء بعودة النازحين، أو على الأقلّ لتسهيل هجرتهم إلى مُختلف دول العالم.