في منتصف حزيران الفائت اعتمدت الأمم المتحدة قراراً بتأسيس «مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب»، وبعد أسبوع اختار الأمين العام أنطونيو غوتيريس الدبلوماسي الروسي فلاديمير فورونكوف على رأس المكتب المذكور.
إنشاء المكتب الأممي لمكافحة الإرهاب، ووجود فورونكوف على رأسه، لم يأخذ حيّزاً واسعاً في وسائل الإعلام، ونأى المراقبون والمحللون بأنفسهم عن قراءة مدلولات هذا الإجراء الذي اعتبرته الأمم المتحدة «أوّل إصلاح مؤسّسي رئيسي يضطلع به الأمين العام».
المهام التي أنيطت بمكتب مكافحة الإرهاب الأممي ترتكز على الأولوية الواجبة لمكافحة و»منع التطرف العنيف»، وتنفيذ هذه المهام مقيّد بالأركان الأربعة لـ «استراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب»، وأحد هذه الأركان يؤكد ضرورة «بناء قدرات الدول على منع الإرهاب ومكافحته».
ولئن اعتبرت الأمم المتحدة إنشاء مكتب مكافحة الإرهاب إصلاحاً مؤسّسياً، فإنّ تعيين أحد أبرز الدبلوماسيين الروس على رأسه، ينطوي على اعتراف صريح من الأمم المتحدة بأهمية دور روسيا في مكافحة الإرهاب، والتزامها أركان استراتيجية الأمم المتحدة في محاربة الإرهاب، خصوصاً أنّ الدبلوماسي الروسي المعيّن يمثل بلاده في مهام دبلوماسية ومسؤوليات خارجية.
وحيث إنّ الإصلاح المؤسسي في الأمم المتحدة بدأ من بوابة مكافحة الإرهاب، يبطل العجب حول سبب نأي المراقبين والمحللين ومراكز الأبحاث عن قراءة أهداف وأبعاد هذه الخطوة، لكونها لا تتطابق مع إيقاع دور أميركا وحلفائها في «محاربة الإرهاب»، حيث إنّ الحلف الذي شكلته واشنطن لمحاربة الإرهاب، لا يتقيّد بأركان استراتيجية الأمم المتحدة، وعملياته في سورية لا تستهدف تقويض منظومة الإرهاب، وهو يعمل على إضعاف قوة وقدرات الدولة السورية في مواجهة الإرهاب، ويقدّم دعماً غير محدود لمجموعات تعصى القانون، وتستبطن أهدافاً انفصالية، كما يوفر التغطية لمجموعات مصنفة إرهابية، مثل «داعش» و «النصرة». وهناك أمثلة عديدة، بدءاً من قيامه قبل عام، بقصف مواقع الجيش السوري في جبل الثردة في دير الزور وتمكين «داعش» من السيطرة عليها، وقصف مطار الشعيرات في حمص، وصولاً إلى ما كشفته روسيا من صور فضائية تظهر آليات أميركية قرب مواقع التنظيم الإرهابي في دير الزور، بما يؤشر إلى أنّ واشنطن تشرف على استبدال عناصر «داعش» بعناصر «قسد»، في محاولة لوقف تقدّم الجيش السوري وحلفائه على خلفية أنّ القوى التي تسيطر على المواقع لا تنتمي إلى «داعش».
وعليه، فإنّ التعمية على إنشاء المكتب الأممي لمكافحة الإرهاب، ومغزى إعطاء رئاسته لدبلوماسي روسي، إنما حصلت بإيعاز أميركي، بهدف التعمية على دور أميركا وحلفائها في تشكيل مظلة واقية للإرهاب، وليس محاربته.
ويبقى أنّ الخطوة الإصلاحية الأممية، لا بدّ أن تستكمل بتعريف الإرهاب، والتمييز بين المقاومة المشروعة والإرهاب المُدان.