وضع إستفتاء إقليم كردستان العراق على الإستقلال المنطقة أمام منعطف خطير، في ظل الرفض الذي تعبّر عنه القوى الإقليمية المعنية، تركيا وإيران والعراق وسوريا، والتهديدات التي تطلقها باحتمال التصعيد.
وفي حين يبدو أن هناك إجماعاً كردياً في الدول الأربعة المذكورة على تأييد الخطوة التي قام بها رئيس الإقليم مسعود البرزاني، تطرح الكثير من الأسئلة حول التداعيات التي ستترتب على هذه الخطوة في الأيام المقبلة، بالإضافة إلى القوى التي دعمتها من تحت الطاولة، لا سيما أن البرزاني لم يكن ليقدم على تفجير الخلافات مع بغداد ودول الجوار من دون أي ضمانات إقليمية أو دولية، في حين كانت إسرائيل الدولة الوحيدة التي تعلن عن تأييدها الإستفتاء بشكل واضح وعلني.
في هذا السياق، يرى الكاتب والمحلل السياسي العراقي حسن سلمان، في حديث لـ"النشرة"، أن إطلاق موضوع الإنفصال في هذا التوقيت نوع من الإستبدال لمشروع الجماعات الإرهابية، ويعتبر أن المشروع الجديد هو أحد البدائل التي تخطط لها الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول العربية المتحالفة معهما.
ويستغرب سلمان التماهي والقبول بهذا المشروع من جانب بعض القيادات العراقية، السنية والشيعية، ويؤكد أنه لولا ذلك لما تجرأ البرزاني على هذه الخطوة، وشدد على وجود دولٍ خلفها لأنها مشروع قديم يطرح تقسيم العراق إلى 3 مناطق: كردية وسنية وشيعية.
من جانبه، يعتبر الكاتب والمحلل السياسي الإيراني حسن هاني زاده، في حديث لـ"النشرة"، أن الإستفتاء سيؤدي إلى أزمة جديدة في المنطقة باعتبار أن الظروف غير ملائمة، لافتاً إلى أن "هناك مشروعاً صهيونياً الهدف منه زعزعة إستقرار المنطقة بعد إنتهاء دور الجماعات الإرهابية".
ويؤكد زاده أن التوجسات التركية تختلف عن تلك الإيرانية، حيث تبدي أنقرة خشيتها أن يكون هناك تداعيات على الأكراد داخل أراضيها، بينما إيران تتوجس من أن يؤدي الإنفصال إلى تحويل الإقليم لبقعة تتحرك منها المجموعات الإرهابية لإستهداف أمنها الداخلي، كما أنها تخشى من أن يؤدي لإقامة إسرائيل قواعد عسكرية على حدودها، مشدداً على أن هذا يعني أنها ستواجه أزمة خطيرة على مستوى أمنها القومي.
بدوره، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي التركي سمير صالحة، في حديث لـ"النشرة"، أن هذه المسألة ستحمل معها تحول مهم على مستوى الجغرافية السياسية في المنطقة، ويؤكد أن الخارطة الإقليمية اليوم أمام إمتحان جديد لا يمكن حسم مساره.
ويلفت صالحة إلى التضامن الكردي ببعده الإقليمي في النظرة إلى الإستفتاء، رغم التباعد العقائدي والسياسي والفكري، حيث يشير إلى موقف أكراد سوريا والحراك الجديد للأكراد في تركيا وإيران، لكنه يستبعد أن يكون هناك قراءة مشتركة لدى طهران وأنقرة لهذا الملف.
بالنسبة إلى مستقبل هذه الأزمة في المرحلة المقبلة، يعتبر سلمان أن البرزاني يراهن على أميركا وإسرائيل والدول الخليجية، خصوصاً السعودية والإمارات، لكنه يعتبر أن السؤال هو كيف ستتصرف الحكومة العراقية، التي يؤكد أن موقفها حتى الساعة دون المستوى.
وعلى الرغم من تشكيكه أن تقدم الحكومة العراقية على خطوة عسكرية، نظراً إلى أن القرار ليس بيدها بل بيد الولايات المتحدة التي لن تسمح بذلك، لا يستبعد أن تقدم على ذلك طهران أو أنقرة، لأن ما حصل هو تهديد للأمن القومي في تركيا وإيران والعراق وسوريا.
على هذا الصعيد، يشير زاده إلى أن التنسيق الإيراني العراقي التركي السوري قائم لمتابعة هذا التطور، ولا يستبعد أن يكون هناك عملاً عسكرياً، لكنه يشدد على أن الأمر يتوقف على رغبة الحكومة العراقية، ويضيف: "الآن هناك إجراءات من نوع آخر مثل إغلاق الحدود والمجالات الجوية"، الأمر الذي يؤكد عليه صالحة، الذي يلفت إلى أن بغداد أكتفت حتى الآن بالتهديد في حين كانت تستطيع القيام بعملية عسكرية، يوم السبت الماضي، تقلب فيها المعادلة، مشيراً إلى أن كل من طهران وأنقرة تلتزمان الموقف العراقي الرسمي، إلا أنه يحذر من أن كل تأخير يحصل سيعقد المسألة.
ويعتبر صالحة أن الرفض المعلن من قبل القوى الإقليمية والدولية، في الوقت الحالي، يأخذ بعين الإعتبار المصالح، متوقعاً أن يحصل تحولاً بالأيام المقبلة على هذا المستوى، ويستغرب كيف أن بعض القوميين العرب يؤيدون ما حصل من منطلق الدفاع عن الحريات أو إبعاد إيران عن العراق، والبعض منهم يقبل تقسيم العراق ليكون هناك كيان سني المستقبل، واصفاً هذا التوجه بالخطير.
في المحصلة، سيكون مصير الإستفتاء في إقليم كردستان العراق هو بوصلة الأحداث في المنطقة في الأيام المقبلة، نظراً إلى أنه قد يعيد خلط الأوراق على نحو غير مسبوق.