اشارت "الاخبار" الى فضيحة جديدة من العيار الثقيل فجّرها أمس وزير المال علي حسن خليل، في مجلس الوزراء. في التقرير الذي أرفقه بمشروع قطع حساب عام 2015، كشف خليل وجود كارثة في المالية العامة. منذ عام 1993 حتى عام 2010، لا توجد في وزارة المالية قيود لـ92 في المئة من الهبات التي وصلت إلى الدولة اللبنانية. وفي الفترة عينها، ثمة عدد لا يُحصى من القروض التي تسددها وزارة المالية من دون ان تعرف شيئاً عنها. يكفي أن تصل إحالة إلى الوزارة، من وزارة أخرى، أو من مؤسسة عامة، يُطلب فيها تسديد مبلغ معيّن كدفعة شهرية لقرض لجهة ما، حتى تلبّي الوزارة الطلب، من دون أن تملك أدنى فكرة عمّا يتم تسديده. وبحسب ما ورد في تقرير وزارة المال، فإن في مصرف لبنان نحو 80 حساباً مصرفياً غير قانونية لوزارات ومؤسسات عامة. ومن أجل مراجعة حسابات الدولة، يدقق فريق من الوزارة بمئات آلاف الحسابات، بعضها بلا قيود. ويجري البحث عن هذه القيود كما لو أن فريق عمل الوزارة تحوّل إلى فريق تحقيق، إذ تتم ملاحقة القيود في المصارف، وفي المؤسسات الرسمية، لمحاولة جمع أجزاء الصورة كاملة. خلاصة التقرير المالي أن الدولة اللبنانية تعيش بلا حسابات حقيقية.
وذكرت انه في مطالعته الطويلة في مجلس الوزراء، أكّد خليل وجود ثغر كبيرة في حسابات الدولة منذ عام 1979 "يستحيل سدّها بلا تسوية، إذ إن البحث عن قيودها وتدقيقها أمر مستحيل، بسبب عدم وجود سجلات لها". هذه الصورة القاتمة تتصل اتصالاً عضوياً بالأزمة القائمة في البلاد، بعد قرار المجلس الدستوري الذي أبطل قانون الضرائب التي كانت مخصصة لتمويل سلسلة الرتب والرواتب، إذ ولّد قرار المجلس مشكلة بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، تتصل أيضاً بالفضيحة التي كشفها وزير المال أمس.
واوضحت انه بناءً على ذلك، الحكم اليوم أمام معضلة. وزارة المال قادرة على دفع الرواتب بناءً على قانون سلسلة الرتب والرواتب والأموال متوافرة لدفع رواتب الشهر المقبل، لكن المالية العامة ستقترب من الانهيار إذا لم تتأمن الاموال اللازمة لدفع كامل كلفة السلسلة. وفي هذا المجال، يصرّ وزير المال على دفع الرواتب بحسب قانون السلسلة. وهو أبلغ جميع القوى أن إصدار مجلس الوزراء لقرار يلزمه بالعودة إلى ما قبل السلسلة سيخلق مشكلة كبرى، ليس بسبب احتجاج الموظفين على عدم منحهم حقوقهم التي ينص عليها القانون النافذ وحسب، بل لأن تعليق العمل بقانون السلسلة سيؤدي إلى صرف رواتب للموظفين أقل ممّا كانوا يتقاضونه (!). والسبب؟ كانت الرواتب تنقسم إلى قسمين: القسم الأكبر هو المنصوص عليه بالقانون، والقسم الأصغر وهو بدل غلاء المعيشة. وقد ألغى قانون السلسلة بدل غلاء المعيشة، ما يعني أن الموظف الذي كان يتقاضى شهرياً مليون ليرة قبل إقرار السلسلة، وصار راتبه مليوناً و500 ألف ليرة بعدها، لن يتقاضى المليون ليرة التي كان يحصل عليها، بل ستكتفي الوزارة بصرف مبلغ 800 ألف ليرة له، بسبب غياب أي سند قانوني يجيز لها صرف بدل غلاء المعيشة.
الحل إذاً، بحسب وزير المال، هو دفع الرواتب المستحقة كاملة طبقاً لما هو وارد في قانون السلسلة، وبإقرار مشروع الضرائب الذي عدّله بناءً على قرار المجلس الدستوري، وجرى توزيعه على الوزراء أمس، وبات بمقدورهم إقراره غداً، وإحالته على مجلس النواب لإعادة إقرار قانون الضرائب. ويؤكد خليل أنه عدّل الاقتراح شكلياً، بما لا يمس بالضرائب المفروضة على المصارف والشركات المالية والعقارية، علماً بأن فريق الرئيس نبيه بري لا يرى في قرار المجلس الدستوري سوى ضربة وجّهتها المصارف للقانون الذي يمس أرباحها الطائلة.