واضح تماماً أنّ كلام رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن أنّ "ما يحصل هو تجاوز وتجرّؤ على مجلس النواب واعتداء على صلاحيات رئاسته وخرق لاتفاق الطائف بل بداية لقتله"،عالي السقف وخطير جداً، خاصة أنه يأتي في مرحلة نشهد فيها خطاباً "سنياً" يتضمّن تذمّراً من التعدّي على صلاحيات رئيس مجلس الوزراء، أو تجاوزها. تقول أوساط سياسيةبارزة لـ "البناء".
ويبدو واضحاً بعد قرار المجلس الدستوري، أنّ الرئيس بري، بحسب الأوساط نفسها، قلق من مضمون قرار قبول الطعن الذي يشكل تجاوزاً لصلاحيات البرلمان ومن ثم لصلاحيات رئيسه. إذ إنّ المجلس الدستوري من خلال قراره، بحسب قراءة الرئيس بري، حلّ مكان المجلس النيابي لناحية تفسير الدستور، واتخذ قراراً بدا وكأنه يقيّد صلاحيات المجلس البديهية. بل أكثر من ذلك، بدا أحياناً وكأنه يتبنّى وجهة نظر سياسية يريد أن يمليها على المجلس النيابي.
وتعتقد مصادر نيابية مطلعة لـ "البناء" أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يملك من العقلانية والمسؤولية الكافيتين اللتين ستدفعانه إلى احتواء عاصفة المجلس الدستوري والدفع باتجاه البحث عن تسوية ما.
لن يكون منطقياً ما يذهب إليه كثيرون عندما يتوقعون انفراطاً لعقد الحكومة، أو تداعياً للأوضاع السياسية. فالأفرقاء الثلاثة (رئيس الجمهورية، رئيس المجلس النيابي، ورئيس الحكومة سعد الحريري) ليست لديهم مصلحة في أن تنزلق الأمور ويتداعى الواقع الحكومي أو المؤسّسي.الرئيس عون يريد نجاحاً للعهد. الثنائي الشيعي يريد استقراراً سياسياً. أما الرئيس الحريري فيريد من جهته الاستمرار بفرصته الذهبية بالإمساك بمجلس الوزراء.
كلّ ما يحتاجه الأمر، أن تضع القوى الكبرى "عقلها الوطني في رأسها السياسي"، كي تبحث عن مخارج للأزمات التي تداخلت مؤخراً. ولغاية اللحظة فإنّ العقدة الأكثر صعوبة هي ما يتصل بمشكلة قطع الحساب. وما يقلق الرئيس بري في هذا الموضوع، بحسب المصادر النيابية نفسها، أن يشكّل تعليق المادة 87 من الدستور مدخلاً لتعليقها بشكل متكرّر سنوياً، أو يؤدّي ذلك إلى استسهال البحث بتعديلات دستورية أخرى مثل موضوع مجلس الشيوخ. أما رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل فيريد إصداراً للموازنة من دون الحاجة لقطع حساب قد يؤدّي إلى قطع علاقتهبتيار المستقبل، تؤكد المصادر نفسها. في حين أنّ الرئيس الحريري يريد لهذا الموضوع أن لا يفضي إلى فتح مغارة الملفات الاتهامية التي يتحمّل مسؤوليتها تيار المستقبل علىمدى أكثر من عقدين. ما ذكره وزير المال علي حسن خليل في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء إنما هو عينة على المضمون النتن لهذه المغارة. إذ أوضح أنّ أكثر من تسعين في المئة من حسابات الهبات لا قيود لها وأنّ قسماً كبيراً من قروض الدولة اللبنانية لا تتوفر له المستندات المطلوبة.
في هذا الخضمّ المتلاطم، يبدو جلياً أن ليس في مستطاع أحد أن يعيد السلسلة إلى الوراء ويتعاطى معها وكأنها لم تكن. المسألة هي متى وكيف. وبالتالي فإنّ إعادة فتح ملف الضرائب وعقلنته وتشذيبه وإحالة ما يحتاج منه إلى الموازنة وإصدار القسم الأكبر من الضرائب بقوانين خاصةهو الحلّ المنطقي الذي ليس من حلّ آخر سواه.