أزمة السلسلة تعكس في الحقيقة التخبّط في السياسات العامة، وكذلك في المنهج المتّبع في مقاربة حقوق الموظفين والعاملين في القطاعات المختلفة الخاصة والعامة على حدّ سواء.
أولى نتائج تجميد أو تأجيل دفع المستحقات المالية بعد إبطال المجلس الدستوري لسلّة الضرائب الجديدة، هي عدم احترام كرامة المواطن. المواطن في لبنان ينحصر دوره في تحمّل أعباء العيش في هذا الوطن. أعباء ثقيلة تكاد تكون مفقودة من التفكير السياسي، دعَك من الخطابات السياسية، فهذه للاستهلاك واستقطاب المؤيدين. بينما التفكير السياسي نعني به الترجمة العملية للشعارات والبرامج والمواقف.
لطالما نسمع مَن يتحدّث عن السيادة، لكن مَن يدافع عن السيادة هم فئة من المواطنين ينضوون تحت راية المقاومة بدرجة أساسية.
لطالما نسمع مَن يتحدّث عن بناء الدولة، لكن مَن يرغب ويعمل لبناء الدولة هم قلة قليلة.
لطالما نسمع من يتحدّث عن دعم الجيش، لكن ًمن يسعَ لدعم الجيش أيضاً فهم أولئك الذين لا يهابون دولة كبرى أو تخويفاً من أيّ جهة أتت.
وعلى كلّ فإنّ بلدنا دخل أزمة يجب أن تجعل كلّ أركان الدولة ينظرون إلى أنفسهم في المرآة. المرآة التي ستكشف العوارض المرضية التي تفتك بالقيم التي لم يعُد لها رسوخ وتجذّر في عقولهم وقلوبهم.
ففي الوقت الذي تعاني الأغلبية الساحقة من اللبنانيين من مشاكل اجتماعية نرى الطبقة السياسية منشغلة بالمناكفات والمعارك الشخصية والصفقات التجارية، وتشاهد كيف تُصرَف المليارات من دون رقابة، وكيف تمرّر الصفقات وكيف يُغضّ النظر عن كبريات الشركات والمنتجعات التي تسيطر على أملاك الدولة البحرية وغيرها من دون أن تدفعَ قرشاً واحداً وكذلك أرباب الأموال من أصحاب المصارف الذين ينعمون بربح وفير ونفوذ كبير. فكيف تريدون من المواطنين أن يسكتوا عن هذا الواقع المؤلم والفضائح والصفقات والهدر والفساد؟
كيف تريدون ذلك والتحلّل من المسؤوليات والواجبات الوطنية هو الحاكم في هذه الطبقة؟ إنّ المشهد المستقبلي لا يبشر بخير، فكلّ ما يجري من هندسات مالية ومن صفقات في قطاعات الدولة يُشعِر المواطن أنها لا تجري لصالحه ولا من أجل تعزيز كرامته.
نحن في خضمّ أزمة جديدة وفي وسط معركة تدور بين شعب مقاوم يسعى للحق والإصلاح، وطبقة مترفة لا تأبه لكرامة الإنسان.
نعم أزمة السلسلة هي طريق جلجلة لهذا الشعب. وليس أمامه إلا أن ينتصر في معركة وجوده وكرامته ولقمة عيشه.
نحن لسنا أمام أزمة سلسلة فقط، نحن في الواقع أمام أزمة العبور إلى الدولة، ولن يكون هناك عبور، طالما أنّ الفساد يفتك في مفاصل الدولة والمجتمع. ربما يجب أن نستعير في ذكرى عاشوراء مقولة الإمام الحسين عليه السلام ما خرجت إلا لطلب الإصلاح .