إذا كان تركيز رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الأشهر القليلة الماضية على معارك تحرير جرود السلسة الشرقية من التنظيمات الإرهابية والإشراف عليها من غرفة العملياتِ، ومن بعدها على التحقيقات الذي يجب أن تفتح، وقد فتحت، لتحديد مسؤوليات من تورط بأحداث عرسال التي ذهب ضحيتها عسكريون ومدنيون منذ آب 2014 وحتى اليوم، أصبح واضحاً وبما لا يقبل الشك أن المعركة الجديدة التي فتحها الرئيس عون ومن على منبر الأمم المتحدة، هي معركة إعادة النازحين السوريين الى بلادهم لأسباب عدّة، منها ما هو مرتبط بالوضع الأمني ومنها ما هو إقتصادي إجتماعي، كل ذلك إنطلاقاً مما تقتضيه المصلحة اللبنانية.
وبحسب مصادر وزارية متابعة، ينطلق الرئيس عون في الشق الأمني من المعركة من عدة وقائع وأحداث تجعل أي مسؤول يتحرك داخلياً ودولياً لحماية لبنان من الخطر الناجم عن مخميات النزوح. ومن أبرز هذه الوقائع عملية الدهم التي نفذها فوج المجوقل في عرسال داخل مخيمي النور والقارية قبل انطلاق معركة تطهير الجرود، والتي وصلت حصيلة الإنتحاريين فيها الى ثمانية بين قتلى وجرحى وموقوفين، هذا بالإضافة الى العبوات الناسفة التي عثر عليها في المخيم وهي معدة للتفجير بالدورية المداهمة. مداهمة أقفلت الباب أمام المزايدين بحقوق الإنسان وأثبتت بالصور كيف يتغلغل الإرهابيون داخل مخيمات النزوح، التي، بدأت تشكل خطراً فعلياً على المدنيين السوريين في داخلها وعلى اللبنانيين بشكل عام. يضاف الى عملية الدهم هذه، غزوة عرسال 2014 التي خرج فيها الإرهابيون من المخيمات لمهاجمة مراكز الجيش اللبناني.
في الشق الأمني أيضاً، أثبتت عودة حوالى 11 ألف سوري مع قوافل جبهة النصرة وتنظيم داعش وسرايا أهل الشام أن العودة ممكنة إذا كان هناك تنسيق مع السلطات السورية، أكانت هذه العودة الى مناطق لا تزال تحت سيطرة المجموعات الإرهابية، أم الى المناطق المحررة التي يعود اليها يومياً العشرات من السوريين غير المطلوبين، ومن دون أن تجري هذه العودة وسط تركيز إعلامي وتغطية إستثنائية كما حصل مع قوافل الإرهابيين.
أما إقتصادياً وإجتماعياً فكثيرة هي الدراسات التي أجريت ووصلت الى القصر الجمهوري، وفيها مخاطر مليون و750 ألف نازح سوري على اليد العاملة اللبنانية والكهرباء والبنى التحتية وشبكات الخطوط الهاتفية، والدراسة الأبرز على هذا الصعيد حملها رئيس الجمهورية الى الأمم المتحدة وفجّر أرقامها بوجه المجتمع الدولي. "وبالإضافة الى هذه الدراسات"، تقول المصادر الوزارية، "كثيرة هي الأرقام والحسابات التي تكشف عدم إلتزام الدول المانحة بإلتزاماتها المالية حيال ملف النزوح، وحجم الضرر الذي ألحقه عدم الإلتزام هذا، بالخزينة اللبنانية، وبقدرة لبنان المادية على الإستمرار والصمود".
إذاً لكل ما تقدم فتح رئيس الجمهورية المعركة، ولأن عودة قوافل النصرة وداعش لم تكن لتتم لولا التنسيق مع السلطات السوريّة، قال ما قاله عن وجود تنسيق حالي تحت عنوان إعادة النازحين الى بلدهم. معركة لن توقفها الحرتقات السياسية والأصوات المزايدة من هنا وهناك، ولن يعترضها تدخل دولة كالمملكة العربية السعودية، ومن يريد الإعتراض من الدول، فليكشف للبنان عن عدد النازحين السوريين على أرضه وعن نسبتهم مقارنة مع عدد سكانه ومقدراته المادية والبشرية والأمنية.