فجأة تراجعت حدة التوتر بين النظام في سوريا ووحدات حماية الشعب الكردية بعد أسابيع شهدت مناوشات عسكرية، واقدام الجيش السوري والروسي على استهداف مواقع في محافظة دير الزور، شرق نهر الفرات لـ"قوات سوريا الديمقراطية" ذات الغالبية الكردية والمدعومة أميركيا. كل المؤشرات التي كانت توحي بمواجهة قريبة بين الطرفين المتسابقين على السيطرة على الأجزاء الأكبر من المحافظة الغنية بالموارد الطبيعية، احتواها موقف لافت صدر عن وزير الخارجية السورية وليد المعلم أعلن فيه صراحة جهوزية النظام للتفاوض والحوار حول اقامة نظام ادارة ذاتية للأكراد في سوريا.
ويبدو ان الموقف السوري الرسمي المستجد يندرج باطار مسارعة النظام السوري الى استرضاء أكراد سوريا بعيد استفتاء الاستقلال الذي شهدته كردستان العراق، تجنبا لانضمامهم الى المشروع الانفصالي، الذي لا زالوا حتى الساعة يؤكدون رفضه وتمسكهم بالمشروع الفدرالي في سوريا. وهو ما أكّده مصدر قيادي في "حزب الاتحاد الديمقراطي" لافتا الى انّه في حال كان النظام في سوريا غير مقتنع بنوايانا، ويحاول استيعاب مطالبنا المزمنة، فلا شك اننا نتعاطى مع ذلك بالكثير من الايجابية، مع تأكيدنا مجددا اننا ضد الانفصال ونتمسك بمشروع الفدرالية الديمقراطية.
ولا يُشكل اعلان المعلم خطوة متقدمة باتجاه حل أزمته المتعاظمة مع الأكراد فقط، بل هو بمثابة انعطافة كبيرة في موقف النظام السوري الذي يبدي ولأول مرة جهوزيته للتفاوض حول شكل الحكم في سوريا وامكانية سيره بنظام فدرالي.
وتسيطر وحدات حماية الشعب الكردية والتي تُعتبر ذراع واشنطن العسكري على الأراضي السورية، على نحو 24% من مجمل مساحة سوريا. وقد أقام حزب الاتحاد الديمقراطي، الحزب الكردي الرئيسي، وحلفاؤه حكما ذاتيا في المناطق الخاضعة لسيطرتهم منذ بدء الحرب الأهلية السورية عام 2011. ويقول أكراد سوريا إن هدفهم هو الحفاظ على الحكم الذاتي في إطار حكم غير مركزي. وأجرت السلطات الكردية الأسبوع الماضي في شمال سوريا انتخابات لاختيار قيادات للمجتمعات المحلية في المرحلة الأولى من عملية تتم على ثلاث مراحل وتبلغ ذروتها في كانون الثاني بانتخاب البرلمان.
ويرجّح الباحث وسفير لبنان السابق في واشنطن رياض طبارة ان يكون النظام السوري ومن خلال اعلان جهوزيته للحوار والتفاوض حول اقامة نظام ادارة ذاتية للأكراد في سوريا، "يحاول ابعاد شبح الانفصال الذي أطل من العراق"، لافتا الى وجوب "الانتظار والتدقيق بخلفيات الموقف السوري المستجد". ويضيف طبارة في تصريح لـ"النشرة": "في النهاية الحكم الذاتي أنواع، ولا شك أن الشيطان يكمن بتفاصيل هذا الملف، فهل سيقبل النظام بأن يكون في الادارة الذاتية قوات أمن مستقلة عن الحكومة المركزية؟ وماذا عن السياسة الخارجية؟"، معتبرا انّها كلها تفاصيل أساسية تستدعي حوارا عميقا بين طرفي النظام والأكراد.
ولا يستبعد مراقبون ان تتجدد في اي لحظة المناوشات بين "قوات سوريا الديمقراطية" والجيش السوري، رغم كل العناصر الجديدة التي دخلت على الخط في الأسبوعين الماضيين، باعتبار ان تواجد الطرفين على تماس في الجهة الشرقية من نهر الفرات، كما الخلافات الروسية- الاميركية المتفاقمة حول دير الزور، تجعل من الصعب ضبط الأمور بما نسبته 100% وان كان هناك قرار واضح لدى الطرفين بعدم فتح معركة تشغلهما عن معركتهما الاساسية بوجه "داعش".
بالمحصلة، لم يعد خافيا على أحد أن الأزمة الكردية في سوريا قد تتفجر عاجلا أو آجلا، ولعل استفتاء كردستان يعجل خطواتها، وان كان جدول الأولويات الدولية لا يلحظها بندا أول في المرحلة الراهنة.