بعد جهد استخباري واضح قدمته اميركا وبعد تحشيد إرهابي قامت داعش بهجوم انتحاري على الخطوط الخلفية للقوى التي تعمل في منطقة السخنة وحميمة القوى التي حققت الإنجاز العسكري والاستراتيجي في دير الزور انجاز تمثل في كسر الحصار عنها أولا ثم العبور الى الضفة الشرقية لنهر الفرات جنوب دير الزور ثانيا ما جعل اميركا تشعر وتلمس ان رهانها على ورقة دير الزور رهان لن ينجح وان إقامة منطقة الفصل بين العراق وسورية في جنوبي شرق الحدود لن يمر وان ما وضعته من خطوط حمر امام الجيش العربي السوري تدوسه أقدام المقاتلين الذين اسقطوا الاحلام والأوهام الاميركية.
بعد كل الانتصارات التي سجلتها سورية مع حلفائها على جبهة دير الزور، وبعد سنة من الهزائم المتلاحقة التي انزلت بداعش وحرمتها حتى من مجرد شن هجوم ومن أي حجم كان ضد الجيش العربي السوري، أقدمت داعش على شن هجوم اقل ما يقال فيه انه عمل انتحاري ينفذه يائس سدت في وجهه المخارج والمنافذ، حيث انه من الوجهة العسكرية وفي ظل موازين القوى القائمة ليس فيه مقومات الاستقرار والاستمرار في ظل سيطرة جوية روسية سورية وارجحية ميدانية لسورية وحلفائها تمكنهم من محاصرة الخرق ان حصل مهما كان حجمه ومعالجته لاحقا بما يقتضي ويجتث منفذيه رغم إمكانية إيقاع خسائر في المدافعين عبر موجته الأولى.
ومع هذه الطبيعة البائسة للهجوم الإرهابي على مواقع الجيش العربي السوري وحلفائه، استطاع الإرهابيون من انتحاريين وانغماسين تجاوز عددهم العشرة ان يدخلوا بمتفجراتهم مراكز عسكرية في الخطوط الخلفية وعلى خطوط امداد القوى ما بين السخنة وحميمة وان يوقعوا إصابات بها، لكنهم لم يستطيعوا ان يحققوا الهدف الرئيس من الهجوم الذي شاءته اميركا مخرجا من مأزقها الناتج عن سقوط ورقة دير الزور من يدها.
لقد هدف الهجوم الانتحاري الى قطع طرق إمداد الجيش العربي السوري وحلفائه واحداث ارباك يثنيهم عن متابعة التقدم في جبهة دير الزور وخاصة على الضفة الشرقية للنهر جنوبي مدينة دير الزور، لان اميركا كما يبدو وضعت خطة سريعة بعد تطور الجبهة هناك تقضي بالسيطرة على المثلث من الأرض السورية الواقع بين النهر والحدود مع العراق والذي رأسه في البوكمال وقاعدته تبدأ من دير الزور باتجاه الحدود العراقية.
ففي المثلث المذكور مصالح أميركية أساسية ذات طبيعة تعويضية للفشل بامتلاك ورقة دير الزور والفشل في حماية الخطوط الحمر حولها، ففي هذا المثلث توجد المناطق النفطية الغنية ومن هذا الثلث تستطيع القوى العاملة بقيادة أميركية ان تسيطر بالنار على الطريق من البوكمال الى دير الزور وتعطل بذلك الإنجاز الاستراتيجي الكبير بربط دمشق ببغداد، كما ان هذا المثلث يشكل قاعدة امامية للدفاع عن مشروع الكيان الانفصالي الذي تحضر له اميركا في الشمال الشرقي السوري على يد الاكراد بقوتهم العسكرية قسد.
لكن الذي حصل كان خلافا لما توقعت اميركا وفصائلها الإرهابية، حيث ان الجيش العربي السوري استوعب الهجوم رغم حجم الخسائر الناتجة عنه، ثم انه استطاع ان يستعيد 70% من النقاط والمراكز التي دخلها الارهابيون بأقل من 48 ساعة، والأهم من هذا وذاك ان عمليات شرق الفرات التي ينفذها الجيش العربي السوري مع حلفائه بإسناد جوي روسي مؤثر، هذه العمليات لم تتوقف، ولا ننسى ان ما عول عليه الارهابيون وقيادتهم الأميركية من قطع طرق الامداد والعزل والمحاصرة للقوى شرق السخنة لم يحصل.
لكن من جهة أخرى حصل ما لا يمكن إغفاله في صفوف الإرهابيين، حيث ان جزءا من القوى الداعشية الإرهابية التي استقدمت من العراق تمت محاصرته بدل ان يحاصِر، وان جزءا من القوى التي هاجمت تمت ابادته وان جزءا آخر من القوى تم تشتيته، وبالتالي يمكننا القول: إن الهجوم الإرهابي ذاك يمكن وصفه بهجوم النزع الأخير لان داعش لن تقوى بعده على هجوم اخر، لا بل ان خسائرها في هذا الهجوم وما واكبه سيجعلها اقل مقدرة على القتال دفاعا عن أي موقع هي فيه، ثم ان ذلك سيرتد سلبا على الخطط الأميركية التي تستثمر بداعش وتدير عمليات التسلم والتسليم بين داعش وقسد من اجل نقل داعش للعمل في امكنة تريدها ضد الجيش العربي السوري وحلفائه.
وخلاصة الامر، نرى ان هجوم داعش الإرهابي الذي جاء خدمة لخطة إنقاذية للسياسة الأميركية فشل في تحقيق الأهداف الاستراتيجية والعسكرية منه، واظهر قدرة واضحة لدى معسكر الدفاع عن سورية للتعامل مع أي مستجد وطارئ مهما كان حجم المفاجأة فيه، كما انه اكد ان أي مناورة أميركية لن تتمكن من اجهاض او تقليص مفاعيل الإنجاز الاستراتيجي الكبير الذي تحقق في دير الزور وريفها وشرق نهر الفرات قربها، وأكد أن ذاك المعسكر بنى جهازه القتالي في المنطقة بشكل يحول دون اختلال جبهة معينة ربطا بما يجري في جبهة أخرى اذا كان سلبياً، ما يعني ان مناعة البنية العسكرية لمعسكر الدفاع باتت في مستوى يبعث على الطمأنينة.
فاذا تم ربط ما حصل بين السخنة وحميمة بما حصل في ريف حماه وانتهى الى سحق هجوم جبهة النصرة، فاننا نصل الى استنتاج مفاده القول بان زمن انتصار الإرهاب وتحقيق الإنجازات على حساب امن سورية هو زمن ولى وان سورية تتابع السير الثابت الخطى في مرحلة تصفية العدوان الإرهابي واجتثاثه من أراضيها وان معركة دير الزور ستكون فعلا المعركة الرئيسية الاستراتيجية الأخيرة في قائمة المعارك الكبرى للدفاع عن سورية.