بعد أن قدم أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله شرحا وافيا عن الوضع السياسي الداخلي في ليلة العاشر من محرم، أطل بالامس ليوجّه خطابا "اقليميا" حمل أكثر من رسالة خارجية شديدة اللهجة، قد يكون أبرزها تلك التي توجه بها السيد للاسرائيليين.
يعلم السيد نصرالله جيدا بنية المجتمع الاسرائيلي ويدرك كمية التناقضات الموجودة في هذا المجتمع، يقول المحلّل السياسي سركيس أبو زيد في حديث لـ"النشرة"، مشيرا الى أن خطاب نصرالله بشقه المتعلق باسرائيل يهدف بشكل أساسي للعب على هذه التناقضات. ويضيف: "كان تركيز الخطاب على اسرائيل خصوصا ان التهديدات ازدادت بالفترة الاخيرة والمناورات تكثفت لتوجيه ضربة الى حزب الله ولبنان"، لافتا النظر الى ان السيد يعلم بأن في اسرائيل من ينتظر خطاباته ويصدق قوله ولذلك كان التوجه ليهود الداخل.
إن دعوة السيد نصر الله لـ"كل اليهود غير الصهاينة ليعزلوا حسابهم عن حساب الصهاينة، الذين يقودون أنفسهم إلى الهلاك الحتمي، ومغادرة فلسطين المحتلة والعودة إلى البلدان التي جاؤوا منها، حتى لا يكونوا وقوداً في أي حرب تأخذهم إليها حكومة بنيامين نتانياهو الحمقاء، لأنه إذا شن حرباً في هذه المنطقة قد لا يكون لدى هؤلاء وقت حتى لمغادرة فلسطين ولن يكون لهم أي مكان آمنٍ في فلسطين المحتلة"، لم تكن كلاما على ورق بحسب ابو زيد، الذي يشدد على أنه بمثابة ردع معنوي لاسرائيل كي لا تقدم على أي مغامرة وعدوان، خصوصا وأن الحزب قد سبق وأعلم العدو بأن قدراته الصاروخية قد تطورت وأن بإمكانه "دكّ" أي مكان في أرضه.
ويرى أبو زيد أن "اسرائيل دائما تملك رغبة بتوجيه ضربة للبنان، خصوصا وأنها تحاول أن تعدّل شيئا في ظل التغييرات والتسويات التي تحصل بالمنطقة"، لافتا النظر الى الرسائل المخفية التي حملها خطاب أمين عام حزب الله بالأمس من أن "الواقع" السابق تغيّر وأن الحزب لن يكون في أي حرب مقبلة كما كان سابقا، مستذكرا "مناورات الجيش الاسرائيلي التي تحاكي دخول قوات حزب الله الى المستوطنات الاسرائيلية".
بالمقابل تشير مصادر في فريق 14 اذار الى أن السيد نصرالله أصر بخطابه الاخير على موقف الحزب الداعي لجعل لبنان طرفا في كل الصراعات الاقليمية، محذرة من مغبة الدخول بأي حروب عبثية جديدة من شأنها اضعاف لبنان وقتل شعبه. وتضيف المصادر عبر "النشرة": "يبدو من خلال حديث نصر الله أن حربا اقليمية تلوح بالأفق، وبالتالي هنا لا بد من السؤال عمّن يملك قرار الدخول بالحروب من عدمه، وهل ان الدولة ستلعب دورها في تحديد قرار الحرب والسلم أم أن حزب الله هو من يملك مثل هذا القرار ويريد اتخاذه نيابة عن اللبنانيين"؟.
مرحلة ما بعد داعش
برزت في خطاب السيد نصر الله مواقفه الرافضة للتقسيم، معتبرا أن "الاميركي" يقف خلف هذا المشروع، كما كان سابقا وراء مشروع "داعش". وفي هذا السياق يعتبر ابو زيد اننا اصبحنا في مرحلة ما بعد داعش، مشيرا الى أن ما قام به أكراد العراق قد يفتح الباب امام جماعات اخرى في دول عربية أخرى لتقليده، وهنا الخطر الذي حذر منه نصرالله. ويضيف: "الخطوة التي اقدم عليها بعض الاكراد بالعراق لاقت اعتراضا واضحا ليس من محور المقاومة فحسب، بل من الاتراك والايرانيين والسوريين وبعض الأصوات العربية الأخرى، لأن الجميع يعلم أن تقسيم العراق سيكون بداية لتقسيمات أخرى ستطال أكثر من دولة عربية ومن ضمنها السعودية".
ويرى ابو زيد أن السيد نصر الله أعاد التذكير بوجود مشروعين بالمنطقة يكاد يصبح عمرهما مئة عام، الاول ينادي بتقسيم المقسّم لمنع ولادة قوة تواجه اسرائيل، والثاني يطالب بـ"الجمع" وتوحيد القوى العربية، مشددا على ضرورة ان تتحرك الدول العربية لتحقيق المشروع الثاني ومواجهة التقسيم، لأن عدوى هذا المشروع إن انطلقت من العراق ستنتقل للدول الاخرى.
في السياق ذاته، أشارت مصادر في قوى 8 آذار مقربة من حزب الله الى ان المواقف التي اطلقها نصرالله ونبّه فيها من حرب اسرائيلية على لبنان لا تنطلق من عدم، لافتة الى معطيات واردة من اسرائيل تفيد بأن سيناريو الحرب موضوع على الطاولة لكن لم يتم اتخاذ قرار به. فهل تغامر اسرائيل؟.