عقد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون العزم منذ اليوم الأول لتوليه الرئاسة على محاربة الفساد، مرتكزاً على مسيرته لا سيما منذ عودته من باريس. القضاء على الفساد أساسلكلّ سياساته الداخلية بمقاربات مختلفة سياسياً، اقتصادياً، مالياً، واجتماعياً.
بالنسبة للرئيس عون لا يمكن لمشروع الدولة أن ينهض من دون محاربة الفساد. هذه الآفة الكبيرة المستشرية والمتحكّمة ببعض مفاصل الدولة، باتت عند البعض كثقافة، ثقافة الراشي والمرتشي. وبالتالي لا بدّ من اقتلاعها من دون الوقوف عند أية اعتبارات. يعلم رئيس الجمهورية أين تنتشر مكامن الفساد. فهو كوّن أفكاراً عن مغاراته في لبنان عندما كان رئيساً لتكتل التغيير والاصلاح ووثقها.
وأعلن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من عكار الأسبوع الفائت أنّ "الفساد يكسر الدولة وينخرها، لذلك كنا وما زلنا المقاومة للفساد ولا يحمينا الا الدولة وليس عندنا مشروع إلا الدولة". وأكد أنّ "لبنان ليس بيئة حاضنة للإرهاب، ولكنه للأسف بيئة حاضنة للفساد ونحن عندنا قناعة بأنّ اللبنانيين لديهم مقاومة للفساد".
يؤكد الرئيس عون أهمية دور القضاء كوسيلة شرعية متاحة قانوناً لوضع حدّ للفساد، لجهة وضع حدّ للامتيازات والحصانات التي يتمتع بها البعض. لقد تحرك القضاء باتجاهات مختلفةفي موضوع الفساد وبرهن أنه قادر على معالجة ملفات عدة. فوزير العدل سليم جريصاتي محصّن رئاسياً وبحكومة استعادة الثقة وفي الوقت نفسه باتت هناك مهابة من القضاء.
لا تزال مقاربة الفساد مقاربة غير مكتملة، فهناك ملفات لم تتمّ مقاربتها لأسباب تتعلق بعدم اكتمال عناصر الملاحقة أو عناصر النجاح، علماً أنّ ملفات كثيرة فُتحت ولم تُختم بعد. ولتأكيد أهمية دور القضاء في محاربة الفساد، فإنّ متابعة وزير العدل والقضاء المختصّ لملف السوق الحرة أدّت إلى رفع قيمة العقد الاستثماري لمصلحة الخزينة من 30 مليون ليرة في السنة إلى 125 مليار ليرة لبنانية بعد أن كان هذا الملف محصّناً بقرارات سياسية في حينه، وإلى استدراك وقائع كثيرة في نهاية المطاف، كي لا يقع هذا المرفق مرة أخرى في دائرة الشبهة.
من جهة ثانية، هناك تحقيقات ينتظر الرأي العام نتائجها وما زالت تحت نظر القضاء؛ منها التحقيق في ملف كازينو لبنان المتعلق بمخصصات رئيس مجلس الإدارة السابق حميد كريدي والأعضاء وملف المازوت وأعداد الموظفين والمتعاقدين، وعدم تنفيذ إدارة الكازينو التزاماتها تجاه الدولة اللبنانية. والتحقيق في قضية الأطباء الشرعيين على خلفية إعداد الأطباء الشرعيين الثلاثة أحمد المقداد وحسين شحرور وميلاد عويدات تقريراً كاذباً في جريمة قتل حامد وإبراهيم الجوزو، حيث طلب وزير العدل من النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان إجراء التحقيقات اللازمة وإنزال العقوبات المسلكية بهم وإحالتهم إلى القضاء الجزائيفي حال تبيّن ارتكابهم جريمة جزائية، وصولاً إلى "الكلية الحربية" المحال ملفها إلى هيئة التفتيش القضائي.
لا شيء يموت عند القضاء، فملف مدير عام أوجيرو السابق عبد المنعم يوسف لم تتمّ لفلفته. حيث وقّع وزيرالعدل سليم جريصاتي يوم الجمعة الماضي، طلب رفع الحصانة عن يوسف بناء على طلب النيابة العامة التمييزية في تهمة التخابر غير الشرعي وأحاله إلى رئيس الحكومة سعد الحريري. فيوسف يتمتع بالحصانة لكونه وضع كمدير عام بتصرف رئاسة مجلس الوزراء.
وكذلك الحال في مشكلة قطع الحساب المالي العالقة منذ العام 2005. لقد أوجد الرئيس عون مخرجاً لمشكلة قطع حساب الموازنات السابقة قضى بتضمين مشروع قانون الموازنة لعام ٢٠١٧مادة تنص على أنه يجوز للحكومة نشر الموازنة العامة على أن تقوم وزارة المالية خلال فترة لا تتجاوز السنة بإنجاز قطع الحساب وتقديمه إلى ديوان المحاسبة ليقوم بالتدقيق فيه وفق الأصول. لكن رئيس الجمهورية، بحسب زواره، لن يغضّ النظر عن الـ 11 ملياراً ومصيرها. صحيح أنّ وزير المال لم يتهم أحداً في تقريره، لكنه تحدّث عن أنّ أكثر من تسعين في المئة من حسابات الهباتلا قيود لها وأنّ قسماً كبيراً من قروض الدولة اللبنانية لا تتوفر له المستندات المطلوبة. وبالتالي فإنّ هذا الملف المالي سيكون محط متابعة من الرئيس عون حتى خواتيمه.
إنّ مفهوم إنهاض الدولة يسقط بأكمله في مقبرة الفساد إذا لم تتمّ محاربته. ولذلك يعيش الرئيس عون، وفق المقرّبين منه، هاجس القضاء على الفساد بمسؤولية وليس بكيدية او انتقامية أو اعتباطية أو بمقاربات ثأرية سياسية من أيّ مكوّن. بحسب قراءته، فإنّ استئصال الفساد يجب أن تتمّ مواكبته باستقرار سياسي واجتماعي واقتصادي. وأكثر من ذلك، يعوّل الرئيس عون على الشعب لكونه مصدر السلطات. من هذا المنطلق يتطلع إلى الانتخابات النيابية كاستحقاق أساسي لمساءلة ومحاسبة الطبقة السياسية، لا سيما أنّ الاقتراع سيكون وفق النظام النسبي. وربما قد تؤجّل قضايا عديدة إلى ما بعد الانتخابات النيابية في أيار المقبل.