رئيس «حماس» في غزة، يحيى السنوار، أعلنها بصراحة وصرامة: «أيّ شخص سيعيق إتمام المصالحة سيُكسَر عنقه، سواء كان من «حماس» أو غيرها. «حماس» ستسهّل كلّ شيء من أجل تمكين الحكومة، ولن تسمح بعرقلة عملها ولن تبقى طرفاً في الانقسام بأيّ حال من الأحوال». وكي لا يبقى لدى أيّ جهة شك بأنّ قادة «حماس» كلّهم يشاطرونه هذا الموقف، أكّد السنوار أنّ «القائد العام لكتائب القسام الذراع العسكرية للحركة محمد الضيف هو من الداعمين بقوة لخيار المصالحة الوطنية».
نعم، الكلّ في «حماس» مع المصالحة الوطنية، لكن هل المصالحة الجاري طبخُها بين غزة ورام الله والقاهرة وعواصم أخرى هي المصالحة الوطنية المرتجاة؟
من المبكر طر ح السؤال الآن. لذا فإنّ توفير الجواب المقنع يبدو متعذراً في الوقت الحاضر. ومع ذلك يمكن استشراف بعض جوانب المصالحة المحكي عنها من خلال ما تسرّب من تفاهمات وتحركات بين قادة «حماس» في غزة ونظرائهم في «فتح» برام الله.
ظاهر الحال يدلّ إلى أنّ المصالحة تبدو إدارية، وإلى حدٍّ ما مالية، لكنها ليست سياسية… بعد. فقد وصلت حكومة «الوفاق الوطني» إلى قطاع غزة الاثنين أمس على أن يتبعها وفدان: الأول من جهاز «المخابرات المصرية» والآخر من الأمم المتحدة لمراقبة تنفيذ الاتفاق. أبرز أعضاء وفد الحكومة مسؤولُ جهاز «المخابرات الفلسطينية» ماجد فرج، ومسؤول جهاز «الأمن الوقائي» زياد هب الريح. بعد وصول الوفد المصري السياسي والأمني، يصل الوفد الأممي برئاسة مبعوث الأمم المتحدة الى الشرق الأوسط نيكولاي ميلادينوف. هذان الوفدان سيشاركان في بحث ملف دمج موظفي حكومة «حماس» السابقة التي كانت تدير شؤون القطاع في قوائم موظفي حكومة السلطة الفلسطينية.
المصالحة الإدارية تبدأ بدعوةٍ من حكومة رام الله موظفيها المستنكفين عن العمل في الوزارات إلى العمل مع موظفي حكومة غزة السابقة في ظلّ موافقة مبدئية من «حماس» على دمج موظفي الفئات العليا وكلاء الوزارات في مواقع أدنى، وذلك كبادرة إيجابية لتحريك المصالحة، فيما تُمسك «فتح» بقيادة الأجهزة الأمنية.
هذه الترتيبات لا تشمل أمن المعابر، ذلك أنّ قضيتها ستُجري مناقشتها خلال مباحثات تشكيل حكومة «وحدة وطنية» تخلف حكومة «الوفاق الوطني» التي يرأسها رامي الحمد الله. هذا الأخير لن يكون رئيساً للحكومة الجديدة التي ستضمّ خمسة وزراء جدد الى جانب معظم الوزراء القدامى.
ماذا عن «المصالحة المالية»؟
تردّد أنّ تمويل رواتب الموظفين سيكون عبر صندوق تُسهم في ميزانيته كلّ من تركيا وقطر وسويسرا والاتحاد الأوروبي على أن يكون الإشراف على الصندوق للأمم المتحدة.
ترتيبات المصالحة ومآلاتها لا تبدو غريبة عن «اللجنة الرباعية الدولية للشرق الأوسط» التي قال مبعوثوها إنهم «يدعمون الجهود المبذولة لإعادة تمكين السلطة الفلسطينية من تسلّم مسؤولياتها في غزة، ويرحّبون بالجهود الأخرى المبذولة، بما فيها جهود مصر، ويحثون الأطراف على اتخاذ خطوات ملموسة لإعادة توحيد غزة والضفة الغربية في ظلّ السلطة الشرعية، وأنهم مستعدون للعمل مع «إسرائيل» والسلطة ودول المنطقة دعماً لهذه العملية».
مروحة واسعة من الدول والأطراف المعنية تؤيد، اذاً، المصالحة وتباركها وتبدي الاستعداد اللازم لإنجاحها. لكن ماذا عن سورية؟
دمشق كانت سكتت على مضض بعد انزلاق حليفتها السابقة «حماس» الى التعاون مع بعض أطراف المعارضة الإسلامية المسلحة في مخيم اليرموك، وذلك عقب اشتداد وتيرة عملياتٍ عسكرية وأخرى إرهابية ضدّ الحكومة السورية، ما أدّى لاحقاً إلى سيطرة «النصرة» و«داعش» على معظم أحياء المخيم المذكور. صحيح أنّ العلاقات بين دمشق و«حماس» لم تنقطع رغم توترها الشديد بفضل بقاء التواصل قائماً بين كتائب القسام وإيران. إلاّ أنّ التعاون بين الطرفين في إطار محور المقاومة توقّف خلافاً لحال التعاون والتنسيق الذي بقي قائماً بين جبهة «الجهاد الإسلامي» ودمشق من دون أي تراجع.
هذا الغموض في موقف «حماس» من سورية بعد إعلان مشروع «المصالحة الوطنية» حمل قائد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة أحمد جبريل على الاتصال برئيس المكتب السياسي لـ «حماس» يحيى السنوار ومطالبته بالتواصل مع دمشق لإحياء روابط التعاون والتنسيق، كما كانت عليه قبل عاصفة «الربيع العربي» الملغومة.
كلّ هذه الملابسات تدفع المراقب المتتبع لتطورات المشهد الفلسطيني إلى طرح سؤال مفتاحي: أيّ سلطة فلسطينية تريد «حماس» مصالحتها والتعاون معها؟ هل هي سلطة الرئيس محمود عباس المنتهية ولايته التي ما زالت تتمسّك باتفاق أوسلو وترتجي خيراً من مفاوضات مع «إسرائيل» برعاية الولايات المتحدة، وترفض تالياً اعتماد خيار المقاومة ضدّ دولة العدوان والاحتلال والاستيطان؟ أم هي سلطة أخرى لا يرأسها عباس تأتي بعد انتخابات عامة نتيجةَ تنفيذ بنود المصالحة الوطنية العتيدة؟
سؤال آخر، مفتاحي أيضاً، تطرحه التطورات على رئيس «حماس» يحيى السنوار: كيف توفّق بين حماستك وتعهّدك بكسر عنق كلّ معرقل للمصالحة الوطنية وبين تعهّدك باسم «حماس» بالاستمرار في اعتماد نهج المقاومة؟
جمهور المقاومة المدنية والميدانية ينتظر أجوبة واضحة عن السؤالين الأول والثاني من دون إبطاء…