عاد قطاع غزّة أمس (الإثنين) إلى كنف الشرعية الفلسطينية، من خلال تنفيذ الخطوات العملانية لأحد بنود المصالحة الفلسطينية برعاية مصرية، والمتمثّل بتمكين حكومة الوفاق الوطني برئاسة الدكتور رامي الحمد الله، من ممارسة مسؤولياتها في القطاع.
هذه الخطوة تُنهي انقساماً استمرَّ لأكثر من 10 سنوات، وستكون لها دلالات ونتائج إيجابية متعدّدة على القضية الفلسطينية.
وتُشير المعطيات إلى الجدية في تنفيذ بنود المصالحة، التي تأخّر منذ توقيعها في القاهرة (4 أيّار 2011)، ومرد ذلك إلى الرعاية والشراكة المصرية، والمتابعة لحسن التنفيذ.
وهذا يحتاج إلى تفكيك ألغام التعطيل وعدم وضع العصي في الدواليب، ومنع "النكد"، تجنّباً لما كان يحصل بشأن التفاهمات السابقة، ما زاد الانقسام حدّة.
وإذا كانت هناك فرصة عارمة لهذا الحدث الذي طال انتظاره، فإنّ هناك مَنْ هو متضرّر من المصالحة، داخل الساحة الفلسطينية، وعربياً وإقليمياً ودولياً، فهناك مَنْ موّل الانقسام لفترات طويلة.
وأيضاً الإحتلال الإسرائيلي الذي يحتفل بموسم الأعياد اليهودية، وقام بمحاصرة فلسطين، وكان يتذرّع بالانقسام الفلسطيني لعدم الإلتزام بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، حيث من المرتقب أنْ يعرقل، ويراقب إذا ما كانت كسابقاتها.
ومن المتوقع أنْ يتخذ اليمين الصهيوني المتطرّف، المصالحة، ذريعة بالترويج والتحريض على أنّ الرئيس محمود عباس يتعاون مع حركة "حماس" (المصنّفة من قِبل الولايات المتحدة الأميركية والكثير من دول العالم بالارهاب)، ويجب مقاطعته وفرض عقوبات ضده.
وأشار مسؤول أميركي في إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى أنّ "الولايات المتحدة أكدت خلال الأسابيع الأخيرة، تأييدها لتسلّم السلطة إدارة قطاع غزّة للتخفيف من الوضع الإنساني الصعب لسكان غزّة، وفي نفس الوقت لن تكون "حماس" جزءاً من حكومة السلطة ما لم تعترف بإسرائيل".
وتلقّى الرئيس عباس اتصالاً هاتفياً من رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" الدكتور إسماعيل هنية، حيث طمأن الرئيس الفلسطيني على الإجراءات التي تمّت في قطاع غزّة لتنفيذ اتفاق المصالحة.
ووصل الحمد الله والوفد المرافق ظهر أمس (الإثنين) إلى معبر بيت حانون - إيريز في قطاع غزّة، حيث عقد مؤتمراً صحفياً بحضور الوفد الحكومي المرافق، ومدير جهاز المخابرات العامة اللواء ماجد فرج، ورئيس هيئة الشؤون المدنية حسين الشيخ، ووفد أمني مصري برئاسة اللواء سامح كامل واللواء همام أبو زيد، وكان في استقبالهم عدد من الشخصيات الاعتبارية من فصائل العمل الوطني، وحشد كبير من المواطنين، الذين رفعوا الإعلام الفلسطينية والمصرية ورايات "فتح" وصور الرئيس الشهيد ياسر عرفات والرئيس محمود عباس.
وبعد أن انتقل الوفد إلى فندق "الموفنبيك"، أقام عضو اللجنة المركزية لحركة فتح" أحمد حلس مأدبة غداء تكريمية، سبقها لقاء شارك فيه إلى الحمد الله قيادة "حماس" في غزّة برئاسة رئيس المكتب السياسي الدكتور إسماعيل هنية وقائد الحركة في غزة يحيى السنوار، وقيادة حركة "فتح" بحضور وفد مصري، والوفد الحكومي المرافق، واللواء فرج والوزير الشيخ.
وقال الحمد الله في كلمة له: "نعود مرّة أخرى الى قطاع غزّة، هذا الجزء الأصيل من وطننا وهويتنا، من أجل تحقيق المصالحة والوحدة الوطنية، وإنهاء مظاهر وتداعيات الإنقسام المؤلمة، ولنعيد بناء غزة، لبنة لبنة، بخطى ثابتة ومدروسة، ولننطلق نحو الوحدة والوفاق والانسجام، فنحن نبني على هذه اللحظة التاريخية التي ارتقت فيها كافة الفصائل على التجاذبات السياسية، وإنجازت فقط للمصلحة الوطنية العليا، ولشعبنا هنا في قطاع غزة، وللمواطن الفلسطيني أولا وأخيرا".
وثمّن عالياً "الجهود الحثيثة التي بذلتها جمهورية مصر العربية، منذ تشكيل حكومة الوفاق الوطني وحتى هذه اللحظة، لضمان إتمام المصالحة، وأحيي الفصائل والقوى الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني، وكل أفراد شعبنا، الذين لبوا النداء وتوحدوا ودعموا الخطى الجادة لإنهاء الإنقسام".
وتابع: "تتسلم اليوم (أمس) حكومة الوفاق مسؤولياتها ومهامها في إدارة شؤون القطاع، الأمنية والمالية والمدنية، حيث شكلنا عددا من اللجان الوزارية لتباشر تسلم المؤسسات والدوائر الحكومية ومهام الأمن، إضافة إلى شؤون المعابر والمنافذ. وتحقيقا لوحدة النظام السياسي، سيتم معالجة القضايا الإدارية العالقة وعلى رأسها، ملف الموظفين، في إطار اتفاق القاهرة، ومن خلال اللجنة الإدارية القانونية، وضمن الإمكانات المتاحة".
وأضاف الحمد الله: "أنقل إليكم جميعاً، إعتزاز الرئيس محمود عباس، بالجهود الوطنية المخلصة التي وضعتها فصائل وأطياف العمل الوطني، لتكريس المصالحة والوحدة، وأؤكد لكم حرصه الشديد على متابعة ما تتمخض عنه إجتماعاتنا من خطوات وإجراءات فاعلة لتفكيك عقبات المصالحة والبدء بمعالجة تداعيات وآثار الإنقسام المؤلمة".
وأردف رئيس الوزراء: "إننا نعيد للقضية الفلسطينية توازنها وقوتها، وفاء لتضحيات وإرث قادة حركتنا الوطنية وفي مقدّمتهم الزعيم الخالد ياسر عرفات، ولمسيرة "حركة فتح" حامية مشروعنا الوطني التحرري".
هذا، وجال الحمد الله في حي الشجاعية ومخيم الشاطئ، حيث اطلع على عدد من البيوت التي تم إعادة اعمارها، وأوضاع المواطنين عن كثب، واستمع إلى احتياجاتهم، مؤكداً أنّ "المواطن أولاً في غزّة كما في الضفة، وعلى الجهود الجدية لدعم تحقيق المصالحة الوطنية، وإنهاء الانقسام".
ومن المقرر أن يتابع برنامج الزيارة اليوم. لتسلم الحكومة مهامها.