منذ أوّل إنتخابات برلمانية تمّ تنظيمها في لبنان بعد الحرب، أي في العام 1992، يُسيطر كل من "حزب الله" و"حركة أمل" على كامل المقاعد الخاصة بالطائفة الشيعيّة، مع إستثناءات محدودة تقلّصت تدريجًا بين دورة وأخرى، لتُصبح في آخر إنتخابات جرت في العام 2009 محصورة بعدد قليل جدًا خارج سيطرة "الثنائي الشيعي"(1). ومع إقتراب الدورة المُقبلة من الإنتخابات النيابية التي يُفترض أن تجري في أيّار 2018 وفق مبدأ "التصويت النسبي"، يتطلّع كل من "حزب الله" و"حركة أمل" لفرض سيطرتهما المُطلقة على المقاعد الشيعيّة، إضافة إلى دعم حلفائهما من باقي الطوائف والمذاهب بطبيعة الحال، في مُقابل تطلّع شخصيّات "شيعيّة" تُصنّف نفسها بالمُستقلّة لمُنازلة "الثنائي الشيعي" عبر مرشّحين شيعة من خارج عباءة "الحزب" و"الحركة" على الأقلّ، وضُدّهما كليًا في بعض الأحيان. فهل من المُمكن خرق لوائح "حزب الله" و"حركة أمل" بفعل "التصويت النسبي" و"الصوت التفضيلي"؟.
بحسب إحصاءات آخر دورة إنتخابات برلمانية جرت في لبنان في العام 2009، أظهر "الثنائي الشيعي" أنّه يتمتّع بأعلى قُدرة تجييريّة للأصوات على مُستوى كامل القوى السياسيّة في لبنان، حيث برزت سيطرة هذا "الثُنائي" على أغلبيّة أصوات الطائفة الشيعيّة التي تُشكّل ما يزيد على 27 % من إجمالي ناخبي لبنان، وذلك في مُختلف الدوائر التي شارك فيها(2). لكنّ نظام "التصويت النسبي" يسمح لأي لائحة مُنافسة للائحة الأساسيّة والمُنتصرة، بالفوز ولوّ بمقعد واحد في حال أمّنت "الحاصل الإنتخابي" الذي يتحدّد تبعًا لعدد الناخبين مقسومًا على عدد المقاعد في أي دائرة(3). كما يلعب "الصوت التفضيلي" دورًا مُهمًّا أيضًا في تقدّم حُظوظ الكثير من المُرشّحين حتى لو يتمتّعوا بأغلبيّة شعبيّة في دائرتهم الإنتخابيّة.
وإنطلاقًا من هذه الرهانات، تشهد الساحة الشيعيّة، المُعارِضَة منها للثنائي الشيعي وتلك التي هي خارج إصطفاف "حزب الله" و"حركة أمل"، تحرّكات نشيطة في المدة الأخيرة، تحضيرًا لتشكيل لوائح إنتخابية في عدد من الدوائر التي تملك فيها فرصًا لا بأس بها لتسجيل إختراقات–بحسب الشخصيّات الشيعيّة المُعارضة التي توافقت على الإجتماع في بيروت الأربعاء لعرض برامجها على الناخبين، ولحثّهم على الخروج من التقوقعات المذهبية والتحالفات السياسية والتدخلات الأمنيّة، والتي قادهم إليها "حزب الله" من دون إستشارة أحد. وبحسب المَعلومات المُتوفّرة فإنّ شخصيّات عدّة، مثل الشيخ عباس جوهري، ورئيس "التيّار الشيعي الحرّ" اللبناني الشيخ محمد الحاج حسن، ورئيس "حزب الإنتماء اللبناني" الشيعي أحمد الأسعد، والصحافي علي الأمين، ورئيس بلديّة مدينة بعلبك الأسبق غالب ياغي، وغيرهم يستعدون للمُشاركة في الإنتخابات النيابية المُقبلة إمّا مُباشرة أو عبر دعم مُعارضين آخرين، علمًا أنّ مُعارضي "الثنائي الشيعي" يتوزّعون على فئات عدّة، منها كانت قريبة أو حتى في صلب "الحزب" مثل الأمين العام السابق لحزب الله الشيخ صبحي الطفيلي، ومُفتي مدينة صُور وجبل عامل السابق علي الأمين، ومنهم من يُدافعون عن النفس العروبي مثل العلامة محمد حسن الأمين، ومنهم من يتبنّون سياسة مُستقلّة بعيدًا عن الإصطفافات السياسيّة الحالية في لبنان والمنطقة، بحيث لا ينحصرون ضُمن الفئة المُناهضة للحزب فقط لا غير.
لكنّ مُعارضي "الثنائي الشيعي"–على إختلاف فئاتهم، يُواجهون أكثر من مُعضلة في مُنافسة لوائح كل من "الحزب" و"الحركة"، حيث أنّهم يفتقرون إلى ما يملكه "الثنائي" من محطات تلفزة وإذاعة وجرائد ومواقع إلكترونيّة، وما يملكه هذا "الثنائي" أيضًا من دعم مالي، ومن وُجود حاسم في السُلطة، من البلديات مُرورًا بمجلس النواب وُصولاً إلى الحكومة. وهم يخشون على أنفسهم من "بطش السلاح غير الشرعي"، ومن غضب أنصار "الثنائي الشيعي" خاصة أنّ الإتهامات من مُستوى "شيعة السفارة" وحتى "عملاء إسرائيل" وغيرها من التعابير القاسية، تُلاحقهم بشكل دائم. ولا ننسى أنّ تفرّد "الثنائي الشيعي" كمُمثّل شرعيّ للطائفة الشيعيّة في الحُكم على مدى نحو ربع قرن، مع ما تخلّل هذه الفترة الزمنيّة من خدمات شخصيّة وعامة، ومن إنجازات سياسيّة وحتى عسكريّة، سمح بتشكيل قاعدة شعبيّة صلبة لكل من "الحزب" و"الحركة" في مُختلف المناطق التي تُعتبر بيئة حاضنة لهما.
وفي الخلاصة، إنّ خرق لوائح "الثنائي الشيعي" عبر مُعارضين لكلّ من "حزب الله" و"حركة أمل" صعب جدًا، لكنّه ليس مُستحيلاً، خاصة في حال أحسن المُعارضون تشكيل لوائح مُنافسة في دوائر مُختلطة ما يسمح لهم بالإستفادة من دعم طوائف ومذاهب أخرى مُعارضة للثنائي الشيعي أيضًا، وفي حالوا صبّوا "أصواتهم التفضيليّة" بشكل مُوحّدلدعم مُرشّح مُحدّد في كل دائرة.
1-منها على سبيل المثال نائب قضاء زحلة عقاب صقر، ونائب دائرة بيروت الثالثة غازي يوسف، ونائب دائرة البقاع الغربي أمين وهبي، وإلى حد ما نائب قضاء جبيل عباس هاشم.
2-في قضاء زحلة نالت لائحة قوى "8 آذار" 94,3 % من أصوات المُقترعين الشيعة، وفي قضاء بعبدا نالت 88,4 %، وفي دائرة بعلبك الهرمل حيث شكّل الشيعة سنة 2009 ما نسبته 92 % من الناخبين و82 % من المُقترعين، فازت لائحة "8 آذار" بمعدّل 107 إلى 108 آلاف صوت في مقابل 13 أو 14 صوت كمعدّل عام للائحة المُنافسة، وفي قضاء صور كانت الأرقام بحدود 68 إلى 69 ألف صوت لصالح لائحة "الثنائي الشيعي" في مُقابل 2322 صوتًا فقط لأوّل الخاسرين من اللائحة المُنافسة.
3-في حال كان عدد المُقترعين في دائرة إنتخابيّة بحدود 50000 ناخبًا، وكان عدد المقاعد خمسة، فإنّ اللائحة التي تنال الحاصل الإنتخابي البالغ 10000 صوت (على الأقلّ) في هذه الحال، تفوز بمقعد نيابي.