«اليوم العالمي للاعنف» إحتفل به العالم وسط موجات غير مسبوقة من العنف. فالدماء أنهار تجري على مدى هذه الكرة الأرضية التي يجتاحها العنف في زواياها الأربع في حال تبدو هستيرية، وكأنّ العنف بات القاعدة واللاعنف هو الشواذ. وقد إختارت الأمم المتحدة الثاني من تشرين الأول (أكتوبر) من كل سنة إحياء (دائماً) لذكرى المهاتما غاندي الذي يتوافق مع ميلاده، وهو الذي قاوم العنف باللاعنف، وتطبيقاً للتعريف الذي وضعه البروفسور جين شارب الباحث الكبير في مسألة «المقاومة اللاعنيفة» في المنشور الذي أصدره بهذا الصدد واعتبر إحدى أهم وثائق الأمم المتحدة... فقال: «إن العمل اللاعنيف هو أسلوب يستطيع به الناس، الذين يرفضون السلبية والخضوع والذين يرون أن الكفاح ضروري، أن يخوضوا صراعهم بدون عنف. والعمل اللاعنيف ليس محاولة لتجنب أو تجاهل الصراع. بل هو إستجابة لمشكلة كيفية العمل بفعالية في مجال السياسة لاسيما كيفية استخدام القدرات بفعالية».
ولقد يصعب تسجيل أحداث العنف التي وقعت في الأعوام الأخيرة خصوصاً وسقط ضحيتها مئات آلاف الناس أكثريتهم من المدنيين الذين راحت دماؤهم هدراً إكراماً لشهوات وأغراض وأطماع شارك فيها كبار من هذا العالم وصغار على حد سواء... وتمثلت في حروب الجيوش والميليشيات، كما تمثلت في منظمات وأفراد من الذين يختبئون وراء يافطات كبيرة وشعارات رنّانة وعقائد مصطنعة ودائماً وراء المصالح المزعومة التي بدا أنها لا تتحقق إلاّ بإراقة دماء الآخرين.
«العنفيون» لم يتركوا أسلوباً شنيعاً إلاّ توسلوه، وبلغ بهم حدود اللامعقول في الفظائع المرتكبة... ويبدو أن لا فروقات جوهرية بينهم برغم إختلاف منطلقاتهم. فلا فرق بين الداعشي الذي يفجّر ذاته وسط مسرح في باريس، والأميركي الذي يقنص، في دقائق معدودة، نحو 700 شخص فيوقع بينهم نحو 60 قتيلاً و 600 مصاب، ولا فرق بين نظام متخلف يضطهد الشعب وبين دولة «حضارية» تقتل الناس بالطائرات والقنابل التي هي (ولا تؤاخذونا) «ذكية»!
ولو شئنا أن نعرض لأحداث العنف المروّعة التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة وحدها لما إتسعت لها المجلّدات... ويكفي ما تعانيه منطقتنا تحديداً من حروب وويلات في مسلسل دموي هائل لا يتوقف، حتى لتصح تسميتنا العراق (على سبيل المثال) بأنه «بلاد ما بين الأنهر الثلاثة» إذا أضفنا نهر الدماء الى نهري دجلة والفرات... وماذا عن سوريا، واليمن، ومصر وأقباطها، وأفغانستان؟!. وماذا عن أحداث ميانمار حيث آلة العنف حصدت المئات من المسلمين (الروهينغا) في هجمة بربرية استهدفت سبع عشرة قرية دفعة واحدة؟ وماذا أيضاً عن البلدان الأربعة التي تفضّلت فحذرت رعاياها المقيمين عندنا من التحرك في العاصمة بيروت وسواها فإذا بها تعاني أنماطاً عنيفة خطرة مباشرة بعد التحذير: كما حدث في بريطانيا وكندا وفرنسا والولايات المتحدة؟! (…).
إنه عالم مريض بالعنف، والأمم المتحدة التي كانت وظيفتها «الأولى (ولا تزال مبدئياً على الأقل) تعزيز السلام باتت شاهد زور على موجات العنف الرهيب. فهل آن الأوان لهيئة أمم جديدة؟ وإذا كانت الحربان العالميتان الأولى والثانية أسفرتا عن إنبثاق «هيئة الأمم» ثم «منظمة الأمم المتحدة»، فإن الحروب المتناسلة، في هذه الحقبة البشعة من الزمن تقتضي هيئة جديدة ربما تكون أنجع!