– لا يمكن لأي مؤمن بالقضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني إلا الترحيب بكل مسعىً لإنهاء الانقسام الذي نشأ بين حركتي وفتح وحماس، وتحوّل مشروع حرب أهلية فلسطينية ـ فلسطينية لأكثر من مرة، وقدّم خدمات جلّى لمشروع الاحتلال، أقلّها كان الاستفراد العسكري بغزة، والاستفراد المذلّ تفاوضياً بفتح، واللعب المزدوج على التناقضات بأسلوب العصا والجزرة، ورغم التمسّك بمعايير وطنية تتصل بالقضية الأساس وكيفية مقاربتها، لا بدّ منها في تقييم أي لقاء أو فراق سياسي، إلا أن مجرد زوال مناخ الانقسام بين الضفة وغزة هو كسب كبير للقضية الفلسطينية، مهما كانت سقوف اللقاء السياسي بين فتح وحماس، وحتى لو جاءت منخفضة كثيراً عن خيار المقاومة ومستلزماته. فالموقف هنا يشبه الموقف من حماية السلم الأهلي في لبنان، حتى لو كان تحت سقوف طائفية وتقاسم مناصب ومكاسب، لأنه يمنح الحياة السياسية بعضاً من نقاء، ويحقن الدماء، ويتيح بقاء الضوء على المهمّ والأهمّ، ولذلك كما كلّ نقاش للسقف السياسي ليس رفضاً للمصالحة، فكلّ تأييد لها ليس توقيعاً على بياض مضمون التفاهم السياسي ووظيفته.
– عناصر متعدّدة تداخلت على خط العلاقة والتوتر والانقسام والحوار والمصالحة بين حماس وفتح، منها وأبرزها موقف مصر وأزمة قطر مع الخليج ومصر، وتراجع الحضور الإقليمي لتنظيم الأخوان المسلمين الذي وضعت حماس لفترة كلّ رصيدها لتقيله وتزخيمه، وغامرت لأجله بالتخلّي عن موقعها المميّز في محور المقاومة وعلاقتها بقواه من سورية بداية، وصولاً إلى إيران وحزب الله. ورغم ان التصالح الذي تسير حماس نحوه يحاول أن يكون على كلّ المسارات التي دمّرت جسورها إخوانياً، وأبرزها مساري العلاقة بقوى المقاومة والعلاقة بفتح ومصر، وهو مما يبدو سوريالياً إلى حدّ كبير في السياسة، حيث يصطدم المساران بالخيارات الكبرى، بما يريده كلّ منهما من حماس ويأمله من تقرّبها منه ومصالحتها معه، إلا أنّ السياقات الموضوعية لا بدّ من أن تجعل أحد المسارين ثانوياً والآخر رئيسياً، أو أحدهما مسار علاقات عامة والثاني مسار خيارات كبرى، أو أحدهما تكتيكياً والآخر استراتيجياً. وربما كما يقول كثيرون من المتابعين، أن يكون كلّ من المسارين لخيار يرضي فريقاً في حماس، بانتظار ما تحمله التطورات من رسم لقواعد الصراع مع اللاعب الرئيس المعني، وهو الاحتلال، نحو التسويات أم نحو المقاومة؟
– تجري الحركة نحو المصالحة في مناخ مزدوج أيضاً، إقليمياً ودولياً، فمن جهة مناخ التسويات الذي يسجل كلّ يوم تقدّماً جديداً، بتفاهم روسي أميركي، يبدو أوسع وأشمل من الظاهر منه. وتبدو فرنسا على الطرف المتصل منه بمستقبل الصراع مع «إسرائيل»، ومن جهة مقابلة تهديدات «إسرائيلية» بحرب مقبلة، ومناورات واستعدادات، وتصعيد في الخطاب السياسي تجاه مستقبل التفاوض مع السلطة الفلسطينية، ومن جهة ثالثة تقدّم مضطرد في وضعية محور المقاومة ومصادر قوته وانتصاراته، وذلك كله في ظلّ تراجع في المكانة الأميركية العسكرية والسياسية في المنطقة، يوازيه تقدّم روسي ظاهر وواضح وراجح. وهذا الخلط في الأوراق يضع المصالحة الفلسطينية التي لعبت مبادرة حماس بالتنازل عن حكومة غزة، دوراً حاسماً في ولادتها، كما يضع علاقة حماس بمحور المقاومة وقد تمّت خطوات الترميم الأولى بمبادرة من حماس، في دائرة تهيؤ حماس لمرحلة جديدة في المنطقة تتصل بمستقبل القضية الفلسطينية، حرباً أو تسويات، واستعدادها للانفتاح
على الخيارين بقوة، بما يختصره التوازن في تركيبتها القيادية الجديدة، بين المكتب السياسي ورئاسته الجديدة، وقيادة قوات القسام ورئاسة التنظيم الحمساوي في غزة، فيكون لدى حماس لكل خيار قرار، هنيّة أم السنوار!
– مصر وفرنسا على خط التقاطع الأميركي الروسي في التسويات، إحداهما تمسك ملف التفاوض الفلسطيني «الإسرائيلي» والأخرى تمسك ملف المصالحة الفلسطينية، في ظل قلق «إسرائيلي» متزايد من تنامي مصادر قوة محور المقاومة، وعجز عن إيجاد مكافئ عسكري، أو رادع سياسي. وهذه حصيلة الزيارات «الإسرائيلية» لكل من واشنطن وموسكو، بل مقابل هذا التنامي نصائح لـ«إسرائيل» بالذهاب للتسوية الشاملة لامتلاك حصانة عدم التعرّض لخطر حرب، والنصائح أميركية روسية. والضمانات في حال التسوية الشاملة أيضاً روسية أميركية، روسية بمنع حدوث حرب، وأميركية بضمان التفوّق فيها. وهذا الحراك الروسي الأميركي الذي تنعقد خيوطه في باريس يحتاج تحضيراً في مسرح المنطقة، وأعقد متطلباته فلسطينية، فتنعقد خيوط المصالحة الفلسطينية في القاهرة. ومثلما تضع «إسرائيل» التلويح بالحرب على الطاولة، من دون أن تجيب بعد على أسئلة التسوية، فلن يعترض الرعاة أن يملك الفلسطينيون ثنائية القدرة التفاوضية والقدرة على المقاومة، حتى تنجلي الصورة «الإسرائيلية».
– السقف الذي ارتفع إقليمياً ودولياً لي تسوية للقضية الفلسطينية وصار عنوانه دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 67 عاصمتها القدس الشرقية، تحقَق بفضل انتصارات محور المقاومة وتغييرها التوازنات الدولية والإقليمية المحيطة بالصراع مع «إسرائيل»، خصوصاً في سورية، وحماس وفتح متموضعتان منذ زمن عند قبول تسوية هذا عنوانها، ومع مسار التسوية في سورية والقلق «الإسرائيلي» من مترتباتها وشروطها، ثمّة من يقول إن تسوية سورية عندما تبدأ بالإقلاع ستفتح مسار التسوية الشاملة في المنطقة، بعد ثبات العجز «الإسرائيلي» عن ترجمة التلويح بالحرب حرباً حقيقية، وأن التعويض الذي أرادته «إسرائيل» والسعودية لما قد تتضمنه التسوية من تحسين في شروط وأوضاع قوى محور المقاومة، كان قيام الدولة الكردية، لكن لا يبدو أن رياح العراق وتركيا وإيران تجري بما تشتهي السفن الكردية و«الإسرائيلية» والسعودية.