* في دولة العتمة يسقط حقُّنا تلقائيًا في لوم أصحاب المولدات. يحقّ لهؤلاء أن يتسيّدوا. يحقُّ لهؤلاء أن يقنّنوا ما شاؤوا. يحقُّ لهم أن يسرقوا ويُمعنوا في لصوصيّتهم. حلالٌ عليهم أن يأخذوا منّا أكثر مما يعطوننا. حقٌّ لهم أن يتحكّموا برقاب الشعب. مسوّغٌ لهم ألا يضعوا عداداتهم. هم مواطنون مثلنا، “صحتين على قلوبهم” تراخي الدولة معهم. و”صحتين على قلوبنا” تقنين الدولة المزمن وسيف المولدات المصلت. في دولة العتمة نصيحة الى إخواننا في المواطنة والتقنين: العنوا العتمة ولا تضيئوا شمعة. أديروا آذانكم الصمّاء لهذا القول الشعبي التافه وثقوا بأصحاب المولّدات فهم على ما يبدو يعرفون خيركم ومصلحتكم أكثر من دولتكم الكريمة.
* في دولة “اللامواقف” تنتفي الشكوى من أزمة المواقف. يحقُّ لـ”الفاليه باركينع” أن يتزعّموا. يحقُّ لهم أن ينفشوا بريشهم في شوارع بيروت الراقية، عند أبواب الفنادق والمقاهي والمطاعم الفاخرة. حلالٌ عليهم أن يقنصوا من عنديّاتنا من ألفين الى خمسة آلاف زيادة على التعرفة التي فرضتها الدولة (5 آلاف). ما ذنبُهم طالما أن ليس هناك من يراقبهم؟ ما ذنبُهم طالما أنهم أشبه بالرصاصة الروسية الأخيرة التي لا مناص منها عندما “يحشرونك” وسيارتك في إحدى الزوايا ويكررونها آلاف المرات على مسمعك: الإدارة غير مسؤولة عن الأغراض الضائعة. أيضًا وأيضًا “صحتين على قلوبهم”، هؤلاء يريدون أن يعتاشوا على حسابنا، أوَليسوا إخواننا في المواطنة؟ الى هؤلاء اسرقوا ما طاب لكم، وعندما تباغتكم الدوريّة التزموا ثم عودوا الى نهبكم لأنّ القانون في لبنان لا يُطبّق إلا “كبسات”. وإن كنتم لا تصدّقون كلامي سَلوا المدخّنين في الأماكن العامة المغلقة، ومخالفي إشارات السير عند كلّ مفترق.
* في دولة “السلسلة” الملتفة حول أعناق المواطنين، يحقُّ لأصحاب المصالح الاقتصادية أن “يتمقطعوا” بصغار القوم. حلالٌ عليهم، في المبدأ والخلق والشرع، أن ينأوا بأنفسهم عن تغطية سلسلة الرتب والرواتب أو جزءٍ منها مقابل زجّ الجيوب الفقيرة في هذه المعمعة. أوَليسوا هم أصلًا أهل السلطة؟ وإن لم يكونوا كذلك أليسوا أقرباءهم أو أصدقاءهم أو حاضني أموالهم أو ضيوف موائدهم؟ حلالٌ عليهم أن يحموا أنفسهم وأن يرتميَ مربّو أجيالنا في الشارع في مشهديّة ذلٍّ أمام أبناء الربيع المدرسي! حلالٌ عليهم أن يجلسوا على عملاتهم كي يبيضوا أموالًا وأن ننتظر نحن مئة ألف ليرة علاوةً على رواتبنا. حلالٌ عليهم أن يخافوا على الاقتصاد الوطني وأن نكونَ نحن المجرمين في حقّ هذا الاقتصاد ومن خلاله في حقّ وطننا برمّته.
* في دولة “اللاعَقد” لا بل في دولة العُقَد، حلالٌ علينا أن يحاول لاجئٌ اغتصابَ نسائنا فيما الدولة غافيةٌ واثقةٌ بنواطيرها. نستحق نحن الذين مرّغنا عقدنا الاجتماعي بعقود صفقاتنا الداخلية والخارجية أن ينتحرَ طبيبٌ من أطبائنا في ظروف غامضة، أن يرديَ مواطنٌ زوجته وابنته، أن يقتل ناطورٌ ابنة صاحب الملك، أن يوجّه سفيهٌ سلاحه الى رأس عابر سبيل زاحمه مروريًا.
* في دولة “الطيش” نستحقُّ أن تخترق رصاصة طائشة أفئدتنا، رؤوسنا الخاوية، أمعاءنا الفارغة، أعضاءنا الهائجة. يا لنا من شعبٍ متخلّف يكره من الآخرين احتفالاتهم على طريقتهم، بأنواع الرصاص شتّى، بأنواع الأسلحة شتّى، ولا يهمّ إن أصابت في مقتل.
* في دولةٍ على هذه الشاكلة يحقُّ لنا أن نصدّق نظرية أرسطو القائلة إن الإنسان حيوان اجتماعي مع التحفُّظ على توصيف “اجتماعي”؛ يحقُّ لنا أن نعيدَ التفكير في نظرية النشوء الخاصة بداروين ولو أنها تتعارض مع المقاربات الدينية لبداية التكوين. في دولةٍ على هذه الشاكلة يحقُّ لنا أن ننتظر الساعة، أن نلعنَ الساعة، أن نعلنَ أنفسنا أمواتًا أحياء منّا من يعيش على رجاء القيامة بما بقي لديه من إيمان، ومنّا من فقد هذا الرجاء بعدما كفر... فكُفِّر!