أرهق حزب الله اسرائيل حتى بات يشكل لها هاجسا يوميا يذكرها بأن وجودها بخطر، فباتت يوميات المسؤولين الاسرائيليين تتمحور حول التدريبات والمناورات والطرق التي يمكن للجيش الاسرائيلي بها مواجهة قوة حزب الله المتضاعفة، وهذا ما يجعل الجميع بحالة حذر دائم من امكانية اندلاع المعركة في أي لحظة.
أجرت اسرائيل في أيلول الماضي أضخم مناورات عسكرية لها لتحاكي حربا مقبلة مع حزب الله، الامر الذي تعامل معه الحزب بجدية مطلقة بحسب ما تكشف مصادر مطّلعة في حديثها لـ"النشرة"، مشيرة الى أن الحزب استنفر مقاتليه وفعّل تجهيزاته لمواكبة المناورات والبقاء على استعداد تام لصدّ أي محاولة غدر اسرائيلية، خصوصا وأن تل أبيب تتحيّن الفرصة للانقضاض على حزب الله ولبنان.
وتشير المصادر الى أن الحزب أرسل لاسرائيل رسائل مخفيّة جديّة بأنه لن يسكت على أي اعتداء يتخطى "قواعد الاشتباك" التي رسمها بعد عملية مزارع شبعا منذ عامين، وتلقفتها جيدا فتراجعت عن مخططاتها التي كانت تريد تنفيذها في الصيف الحالي. وتضيف: "منذ عام 2006 حتى اليوم قررت اسرائيل أكثر من مرة فتح الحرب على لبنان، ولكنها مع بدء انخراط حزب الله في الحرب السوريّة وجّهت جهودها نحو دعم المجموعات المعادية للحزب في سوريا، وعملت على تنفيذ اغتيالات نوعيّة لقادة الحزب، واعتراض طرق شاحنات السلاح المتوجهة الى لبنان"، كاشفة أنه رغم الضربات المتعددة التي وجهتها اسرائيل الى شحنات السلاح، تمكن حزب الله من الحصول على اسلحة نوعيّة وصواريخ ضخمة وتجهيزات قتالية كبيرة وحديثة جدا، مشيرة الى أن "العدو" يعلم بوصول بعضها ولا يدري بشأن بعضها الاخر وهذا ما سيشكل له صدمة بحال شنّ حربا على لبنان.
رسم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه العاشورائي الأخير معادلة جديدة يُدرك الاسرائيلي معانيها جيدا، وإن تعامل معها البعض في لبنان على أنها تهديدات معنوية، فالسيد بتوجهه لـ"اليهود" وطلبه منهم مغادرة "اسرائيل" لانهم لن يجدوا وقتا للهروب ان اندلعت الحرب، أراد القول أولا أنّ "حزب الله بات يملك اليوم عددا هائلا من الصواريخ البعيدة المدى والدقيقة بإصاباتها، وهو لم يعد يحسب كميتها التي يمكن له اطلاقها يوميا"، وثانيا "إن الحزب نسي معادلة حيفا وما بعد حيفا وغيرها، وهو على جهوزية لاستهداف كل اسرائيل منذ اليوم الاول لأي حرب مقبلة، ولهذا لن يجد "يهود اسرائيل" وقتا للهروب.
رغم ما تحضر له اسرائيل، استبعدت مصادر في قوى الثامن من آذار أن "تقدم على شنّ أي حرب جديدة مباشرة مع لبنان في المدى المنظور، نظراً لعلمها بقدرات حزب الله القتالية وعدم تأكدها من الفوز"، لافتة إلى أن "الصراع بين حزب الله واسرائيل سيستمر على ما هو عليه، أي ضربة من هنا وضربة من هناك في الساحة الاقليمية دون مواجهة مباشرة".
بعد كل احتمال جدي لاشعال اسرائيل الحرب ضد لبنان، يطلّ السيد نصر الله ليرسم معادلة ردع جديدة تخلط حسابات قادة اسرائيل، وهنا تستذكر المصادر خطاب نصر الله الصيف الماضي عندما قال "يجب ان يعرف العدو أنه اذا شن حربا على سوريا او على لبنان فليس معلوما ان يبقى القتال لبنانيا اسرائيليا او سوريا اسرائيليا... فهي قد تفتح الاجواء لمئات الاف المجاهدين من كل انحاء العالم الاسلامي والعربي ليكونوا شركاء في هذه المعركة"، كاشفة أن هذا الخطاب لم يكن لينتهي مفعوله مع انتهاء الخطاب بل رافقه اجراءات عملية وزيارات ميدانية ومتابعات لوجستية على "الأرض" التي يفترض أن تكون "ساحة المعركة"، مشيرة الى أنه "على اسرائيل أن تعلم أنها ستواجه في أي حرب مقبلة كمّا هائلا من الصواريخ النوعية واعدادا كبيرة من المقاتلين الذين يؤمنون بحتمية زوال اسرائيل من الوجود".
لم يعد حزب الله وحيدا، فمحور المقاومة أصبح معنيا بمصير واحد، وبالتالي لم تعد حسابات الحرب سهلة على أي كان، وعلى من يريد الدخول بالمغامرة ان يحسب جيدا طريق الخروج منها، سالما.