– بالرغم من امتلاك كل الأسباب التي تتيح تقييم اللقاء الذي عقده من أسموا أنفسهم باللقاء المدني أو بلبنانيين شيعة معارضين لثنائي حزب الله وحركة أمل، لن نُصدر أحكاماً مسبقة، وسنناقش الفرضيات المستوحاة من نصوص البيان الصادر عن اللقاء وتنوّع مصادر تكوين اللقاء من المشاركين، ومن المعايير التي ستحدّد التحديات التي تنتظر هذا اللقاء ليصير الحكم منصفاً على الجمع بناءً على حاضرهم المشترك، وليس على الماضي المنفرد لكل منهم.
– يتشكّل اللقاء من مكوّنات ذات خلفية دينية كتيار الشيخ صبحي الطفيلي، ويسارية كقياديّين شيوعيّين سابقين، وخلفية قوميّة لقوميين عرب سابقين، وخلفية تقليدية كآل الخليل والأسعد، وليبرالية كحركة التجدّد الديمقراطي، وعدد من الناشطين لن نطلق عليهم أوصافاً تنتسب لمواقفهم وعلاقاتهم بالخارج الإقليمي والدولي. وهذا يُسقط عن اللقاء حق الجدال بالعقائد والأيديولوجيات، كما حقّ الجدال بتناسب القوى مع مَن اختارهم عنواناً لمعارضته. فهو يضمّ قيادات تبوأت مركز القرار الشيعي مراراً، وتناوبت عليه، ويفترض أنها راكمت خبرة من أسباب فشلها منفردة، وجاءت بهذه الخبرة بالطلة الجماعية، ومعها شبكة تأثير موروثة في البيئة الشعبية والنسيج الاجتماعي الذي يجمع اللقاء مع مَن قرّر معارضتهم. ولا يمكن الشكوى من ضيق ذات اليد مع وجود إحاطة إعلامية تسنّت للمجتمعين على قنوات فضائية عملاقة، وتصدُّر صفحات صحف وازنة، وما أوحى به هذا الاهتمام من مكانة لدى أصحاب القنوات والصحف ورعاتهم في الخارج وحجم المقدرات التي يملكونها، كما لا يمكن التذرّع بالسلاح الذي لم يمنع وجوده انعقاد اللقاء، وشكّل بذلك رسالة على إمكانية ولادة معارضة مَن يحملونه وفي ظلّه.
– سيكون التحدّي هو في الخطاب واستقامته، وفي القدرة على التفوّق الأخلاقي والسموّ بالنزاهة السياسية والعملية للقاء ومكوّناته، وفي القدرة على تبنّي حلول جدية للمشكلات والتحديات التي يواجهها لبنان تتفوّق على مَن يعارضونهم، والإخلاص لهذه الحلول، والقدرة على اعتماد الخطاب والرؤى، محدّداً وحيداً للتحالفات الداخلية والخارجية، بدلاً من اعتماد الخصومة لمن يعارضه اللقاء عنصراً محدّداً لتحالفات، وهنا سينال أصحاب اللقاء أسباباً تخفيفية من أثقال مواجهة العدوان «الإسرائيلي» والتكفيري ووصفتهم للتصدّي لهما.
– ببساطة التحدّي هو فرصة لأصحاب اللقاء، وامتحان صدقية. فعندما يضع أصحاب اللقاء مرجعاً لمواقفهم بمواجهة الاستبداد، ويتّخذونه سبباً لمناوأتهم علاقة حزب الله وحركة أمل مع الدولة السورية، فلن يضيف موقفهم شيئاً لجبهة لبنانية إقليمية دولية معادية لسورية وحزب الله وحركة أمل يصيرون مجرد استطالة لها، وقد سبق لأغلبهم أن اختبره بصفة فرع شيعي لحركة الرابع عشر من آذار، إلا إذا أظهروا شجاعة السير ونزاهته في هذا المحدّد حتى النهاية، أي بإعلان موقف من السعودية يشبه على الأقل إن لم يزد عن موقفهم من سورية. وكذلك عندما يعتبرون الديمقراطية محدّداً للعداء لسورية ويتوقفون عندها، فلن يستمع أحد إليهم، ولن يحترمهم أحد إلا عندما يضيفون البحرين. وعندما يقولون إن حقوق الإنسان ووقف القتل المجاني محدّد لسياساتهم، فلن يجادلهم أحد بمدى صحة ما يقولونه عن سورية إذا تجرأوا وقالوا عن حرب السعودية والإمارات على اليمن ما تقوله بيانات المنظمات الأممية على الأقل. وعندما يقولون نريد دولة القانون ويأخذون على مَن يعارضونهم مشاركتهم في دولة المزرعة، فسوف لن يُحسَب لهم هذا بذي قيمة، ما لم يتعمّد إطلاق موقف بالقسوة ذاتها بحق أركان دولة المزرعة من قادة الرابع عشر من آذار، حلفاء أمس، المجتمعين إن لم نستبق ونقول حلفاء حاضرهم ومستقبلهم.
– ببساطة، وكي لا نستبق بالأحكام نقول إن اللقاء فرصة لا تُقدَّر بثمن، في الحالتين. فإن أثبت أهلية للنزاهة والشجاعة في المبادئ وناهض المشاركين في الحكم من أركان الرابع عشر من آذار، كما يناهض حزب الله وحركة أمل، وناهض السعودية والبحرين وحرب اليمن، كما يناهض سورية وإيران والعلاقة بهما، ستكسب الحياة السياسية حيوية ونشاطاً وتنافساً، وستشهد استقطاباً يكتب لمؤسسي اللقاء، معياره البرامج والمبادئ، وسيقدّمون شهادة حياة للحياة السياسية. وإن أظهرت تجربتهم في أيامها الأولى أحادية تعبر عن استهداف مبرمج للثنائي الشيعي الحاضن للمقاومة، وأصابهم البَكَمُ عند الحديث عن السعودية، والصَّمَمُ عند سماع أنين الضحايا في اليمن، فسوف تسقط عليهم اللعنات كمجرد منتج مخابراتي بتمويل أميركي سعودي، ضمن برنامج حصار المقاومة، لخدمة الأهداف «الإسرائيلية»، ولا يحقّ لأصحابه عندها فتح أفواههم بكلمة اعتراض تحت شعار أنهم يتعرّضون للإرهاب الفكري وأنهم ضحايا لسلاح التخوين، لأنهم سيكونون قد اشتروا الشتيمة واللعنة لأنفسهم، وقدّموا دليل خيانتهم ليحاكمهم الرأي العام على أساسها، بعد أن كانت مجرّد تُهم يُطلقها خصومهم عليهم، ولن تقوم لهم قائمة بعدها.
– اللقاء فرصة لا تُقدَّر بثمن في الحالين للصعود بأصحابه أو للسقوط بهم، فلننتظرْ ونرَ!