قبل البدء بمقالنا نوضح أنَّ المقصود بالفراغ السياسي هو غياب أي شخصية اعتبارية أو جهة ما يلجأ اليها العلويون ويتكتلون حولها، حالهم حال أي طائفة شقيقةٍ في هذا الوطن. وإلاَّ فالحمد لله المتنطحون عندنا بالسياسية "على قفا مين يشيل" كما يُقال.
وقبضايات الجبل الفايسبوكيين تضج بهم خلايا مارك زوكربيرغ الدماغية.
والمتصدرون للزعامة الوهمية على أبواب أصغر تابعٍ لزعيم طرابلسي يقدمون بكل توسل أوراق اعتمادهم بكل فخر واعتزاز.
ومن يشغل المرجعية الدينية لا يمارس سوى عنجهيته المرضيّة، يصحُّ فيه قول جدتي رحمها الله: "الله يجيرنا من حكم المحكوم".
ونتابع. في كل مقالاتنا السابقة كنا نقول أنَّ العلويين في لبنان لم يعودوا في جيب أحدهم لا الصغيرة منها ولا الكبيرة، وفي كل لقاءاتنا مع مقربين في 8 آذار كرَّرنا هذا الحقيقة الواضحة أمامهم مراراً، ولكن كعادتهم الاستعلائية: كله تحت السيطرة.
لم يفهم حلفاء العلويين يوماً أنَّ العلويين يعتبرون أنفسهم بحقٍ أمّ قضية المقاومة ومحورها، فلا يزايدنَّ أحدٌ على علويٍّ في ذلك، فهم الذين ضحّوا ثم ضحّوا أكثر من جميع من انتسب إلى محور المقاومة بالأرواح والمتاع، وهم الوحيدون الذين خسروا من قوة محورها في حين ربح الجميع، وعندما ضعف هذا المحور هم أكثر من غيرهم من دفع ثمناً بالقهر تارة وبالحصار أحياناً وبتشيت صفوفهم دوماً.
وتُرِك العلويون لمواجهة مصيرهم منفردين، ولم يكلف نفسه مثلاً تيار "المردة" مشقّة زيارتهم والاطمئنان على أحوالهم. هذا التيار الذي لطالما عشق العلويون رئيسه وما زالوا، تعامل معهم باستخفافٍ ولا مبالاة في كل معاناتهم. أغلب ظن هذا التيار أنَّ العلويين قرارهم بيدنا. وقد خاب ظنه. وأما باقي القوى الحليفة فعندها الكثير من الأعباء التي تتذرع بها، والتي حسب رأيها ألحّ أهمية من كل حاجيات العلويين وضروراتهم اليومية.
ولم أشعر يوماً ما شخصياً بأي وجودٍ سياسيٍ لأي قوة من كل هذا المحور في منطقتنا، إلاَّ مؤخراً مع دخول التيار الوطني الحر الذي عرف كما يبدو لنا كيف يستميل شريحة كبيرة من العلويين، الذين انضموا إلى صفوفهم بشكل مفاجئٍ وكبيرٍ، ناسفاً كل دخولٍ لزعامات طرابلس البائسة.
ولذا، فإن الحديث عن صراع بين تيار المردة والوطني الحر لا أساس له بالمُطلق، فلا أعرف شخصية علوية واحدة، حسب علمي، تنتسب إلى تيار المردة، في مقابل المئات التي تتدفق بشغفٍ إلى صفوف التيار الوطني الحر.
وتم تشكيل هيئة للتيار في جبل محسن وتعيين منسقٍ لها، وهي الآن في طور استكمال تجهيز مكتبها في وسط جبل محسن، وقد بلغ عدد المنتسبين حسب ما وصلنا من معلومات ما يفوق الـ500 منتسب في أقل الحسابات.
حضر الوطني الحر بقوّة في جبلنا عندما تخلى عنا الجميع، فربح تعاطف العلويين الذين يشتهرون بالوفاء لمن يصدقهم القول. هذا التيار الذي لا تهدأ تحركاته في قرى العلويين وبيوتاتهم تهنئة وعزاءً واطمئناناً واحتفالاً على مختلف قياداته: يقف على خاطرهم، ويستمع إلى مطالبهم.
كما أن توقيت دخوله إلى الجبل ذكي جداً، خصوصا أنه قبل الانتخابات النيابية المزمع اجراؤها بعد تسعة شهور تقريباً، إذا لم يحدث التمديد المتوقَّع ..
كما أن هذا الدخول كان مدروساً ومخططاً له بكل تأكيد بأدنى قراءة بسيطة نخلص إليها، من كون التيار الوطني هو صاحب القانون الانتخابي والصوت التفضيلي، الموجود عند العلويين أكثر من غيرهم في طرابلس، التي يعجز التيار عن لعب دورٍ مميزٍ له في عاصمة الشمال سوى من بوابة العلويين وصوتهم التفضيلي. فأهلاً وسهلاً به في جبل محسن ولكن؟
هناك ملاحظتان من جملة ملاحظاتٍ سنكتفي بها حالياً على أداء هذا التيار، لا بُدَّ لنا من تذكيره بها ولو كانت من باب النصيحة التي نأمل أن تلقى من يسمعها:
1ـ الشعارات والكلام المعسول قد شبع منه العلويون من سواهم، فالرجاء ثم الرجاء أن يتبع الكلام مصداقيّة على الأرض وبسرعة، فالتعاطي ببرودة ينعكس سلباً مباشرة.
ومؤخراً صدرت نتائج القبول لنقابة المحامين في طرابلس، وقد نجح 25 محامياً: 12 مسلم و12 مسيحي و1 درزي (ولا دروز في الشمال)، دون أي طالب حقوق علوي.
وقيل لي أن نقيب المحامين تابع للتيار، فكان عليه أن يراعي حصة العلويين على أقل تقدير في غياب نائبهم المستقبلي وشلل المجلس العلوي.
هذه المعلومات إن صحّت فهي برسم قيادة التيار، والذي عليه التعويض لا التسويف.
وقبلها تمت الإساءة للعلويين على القناة المحسوبة على التيار الوطني الحر لكنه تم الاعتذار وتسوية الأمر، وما نريده إضافته هنا ما دام أنه حضر بيننا فليحضر بقوة وصدق، وليكن متقدماً في حماية العلويين وإدخالهم إلى كل مؤسسات الدولة، خصوصا وأنَّ عدداً من الوظائف الحكومية هي قيد الطلب، فلو يلعبها بذكاء كما عهدناه ويساعدنا في تحصيل حقنا الشرعي، سيكون هو الرابح الأكبر إن فعل ذلك، والتاريخ بيينا شاهد.
2ـ أن يتمدد داخل التبّانة وحاراتها أيضاً، فإن نجح يكون قد حقق نصراً وطنياً بامتيازٍ بانهاء صراع طائفي وسياسي طويل عجز عنه الجميع.
ومن يدري؟ قد ينجح ويشبك هذه المناطق ببعضها، بمبادئ الوطن والإنسان، بعيداً عن سوق المزايدات والصراعات. ونحن له من الشاكرين إن فعل.
وفي النهاية، اغتنموا الفرص، بالخدمات والوظائف والشعارات الوطنية الصادقة، عندها قد نرى بصدق، عونيون، ولكن علويون.