على الرغم من الأجواء الإيجابية التي رافقت لقاء كليمنصو، الذي جمع رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط ورئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، حيث كان الهدف الأساسي منه المصالحة بين "البيك" و"الشيخ" بعد الخلافات التي سيطرت على العلاقة بينهما، يبدو أن هناك العديد من الملفات التي لا تزال بحاجة إلى معالجة في المستقبل القريب، لا سيما بالنسبة إلى التحالف الإنتخابي المحتمل في دائرتي بيروت الثاني والشوف وعاليه.
تاريخياً، كان التحالف الإنتخابي يجمع بين النائب وجنبلاط وتيار "المستقبل" منذ أيام رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، بالرغم من أن العلاقة مرت بالكثير من المطبات السياسية، إلا أنه منذ التسوية الرئاسية، التي قادت إلى إنتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وعودة الحريري الابن إلى السراي الحكومي، طرحت الكثير من علامات الإستفهام حول العلاقة مع رئيس "اللقاء الديمقراطي"، لا سيما بعد ترشيح الأخير بلال عبدالله عن المقعد السني في الشوف، الذي يشغله النائب علاء الدين ترو، الأمر الذي فُسر بأنه رسالة إلى رئيس الحكومة، نظراً إلى أن عبدالله هو ابن بلدة شحيم الّتي ينتمي إليها النائب عن المقعد السني الآخر في الشوف محمد الحجار، لكن اليوم يبدو أن هناك أزمة جديدة تطل برأسها متعلقة بالمقعد الدرزي في بيروت الذي يشغله النائب غازي العريضي.
في الخلفية العامة، تشير مصادر مطلعة على العلاقة بين جنبلاط والحريري، عبر "النشرة"، إلى أن رئيس الحكومة لم يعد ينظر إلى العلاقة مع رئيس "اللقاء الديمقراطي" بالطريقة نفسها التي كانت سائدة قبل أحداث السابع من أيار من العام 2008، والتي تلتها مرحلة من التقلبات السياسية على المستويين المحلي والإقليمي.
وتلفت إلى أنه في الزيارة الأخيرة التي قام بها "البيك" إلى "بيت الوسط" للقاء الحريري، تم طرح البحث عن توليفة الرأي الواحد، أي التنسيق في مختلف الملفات، لكن المشكلة الأساسية هي في الموقف من "حزب الله"، حيث لا يمانع النائب جنبلاط التماهي في الموقف المعادي للنظام السوري، لكنه يرفض الدخول في أي صراع مع الحزب، لكنها تشدد على أن الأمر يرتبط أيضاً بالعلاقة مع التيار "الوطني الحر"، حيث الإنسجام واضح مع تيار "المستقبل" بينما "الحساسية" تطغى على العلاقة مع "الحزب التقدمي الإشتراكي".
وفي حين توضح المصادر نفسها أن الرجلين يعانيان في واقعهما الشعبي، حيث أن الحريري يواجه ضغوطاً متعددة الإتجاهات، سواء من الجانب السعودي الذي ينوي الدخول في مواجهة مع "حزب الله"، أو من البيت الداخلي حيث الخوف من تكرار تجربة وزير العدل السابق أشرف ريفي، بينما محاولات رئيس "اللقاء الديمقراطي" نقل الزعامة إلى نجله تيمور لا تسير بالشكل الذي كان يتمناه.
بالإنتقال إلى واقع المقعد الدرزي في دائرة بيروت الثانية، توضح المصادر أن الحريري يريد أن يكون شاغله من أبناء العاصمة بعد قرار التخلي عن العريضي، لكن في المقابل يبدو أن جنبلاط يميل إلى ترشيح فيصل الصايغ بدعم من الشيخ أمين الصايغ، وتشير إلى أن هذا الأمر يواجه باعتراضات من داخل البيت الدرزي نفسه، نظراً إلى طرح أكثر من اسم من أبناء وطى المصيطبة، مثل رفعت زهيري وجهاد زهيري، بينما يطرح بعض المخاتير اسم عضو المجلس المذهبي الدرزي علي العود، في وقت يسعى رئيس "الحزب الديمقراطي اللبناني" وزير الدولة لشؤون المهجّرين طلال أرسلان إلى إقناع رئيس "اللقاء الديمقراطي" بطرح اسم الوزير السابق مروان خير الدين، إلا أن جنبلاط لم يقطع وعداً بهذا الموضوع، لكنه لم يحبذ الزيارة التي حصلت من قبل وفد من وطى المصطيبة إلى أرسلان.
وتلفت هذه المصادر إلى أن الحريري، الذي يتوقع خسارة العديد من المقاعد في الإنتخابات المقبلة، يريد أن يكون شاغل المقعد الدرزي في بيروت من أبناء العاصمة، ويميل إلى تيار "المستقبل" بشكل أساسي، وتكشف عن أن اسم علي العود بدأ يتردد صداه في بيت الوسط، إلا أنها تجزم بأن الموضوع سيكون مرتبطاً إلى حد كبير بالطريقة التي سيتم التعامل فيها مع المقعدين السنيين في دائرة الشوف وعاليه، بالإضافة إلى إمكانية التحالف بين تيار "المستقبل" و"الحزب التقدمي الإشتراكي"، في ظل التداخل الكبير بين القوى السياسية الفاعلة في الدائرة المذكورة.
في المحصلة، الأيام المقبلة ستكشف إمكانية نجاح مصالحة كليمنصو في تأمين توافق إنتخابي بين دائرتي بيروت الثانية والشوف وعاليه، في ظل إحتمال عودة الأمور إلى نقطة الصفير بأي لحظة.