اعتبر السفير الروسي في لبنان ألكسندر زاسبيكين أنّه "لا يكفي اتخاذ المواقف المبدئية بتأييد عودة النازحين السوريين الى بلادهم، بل يتوجب خلق الظروف المناسبة لذلك وبالتحديد من الناحيتين الأمنية والانسانية"، معربا عن أسفه لـ"حصول اشكال حول التواصل والتعاون مع الأطراف المعنية بهذا الملف خصوصًا ان أزمة النازحين تستدعي تضافر كل الجهود والقدرات لتحقيق الهدف المرجو".
وأكّد زاسبكين في حديث لـ"النشرة" أن "السلطات السورية مهتمة بعودة كل النازحين، سواء المتواجدين خارج البلاد او أولئك المتفرقين في المناطق السورية والراغبين بالعودة الى مدنهم وقراهم، داعيا لقيام "مطبخ موحّد" يضم كل المعنيين بهذه الأزمة بهدف حلها". وأضاف: "لا ينفع تسييس هذا الملف لأنه انساني بامتياز، والمطلوب توافق لبناني يؤمن المصلحة الوطنية بعيدا عن الاعتبارات السياسية والحزبية والفئوية، وقدر الامكان بعيدا عن الضغوطات الخارجية".
وشدّد السفير الروسي على أن "التنسيق والتعاون مع النظام السوري لاعادة النازحين أمر ضروري ولا بد منه"، لافتا الى وجوب ان يكون هناك "قرار رسمي لبناني في هذا المجال، اما كيفية التوصل اليه فهو فشأن لبناني داخلي". ورأى ان لبنان معني بعودة هؤلاء اكثر من اي طرف آخر، نتيجة الأعباء الكبيرة التي لم يعد قادرا على تحملها، داعيا لـ"استعجال حل هذه الأزمة". واضاف: "موقف روسيا واضح واستراتيجي مما يحدث في سوريا ونعتقد ان القرار الذي اتخذته جامعة الدول العربية قبل سنوات بابعاد سوريا، كان القرار السلبي الأبرز الذي أثّر بعدها سلبا على الأوضاع بشكل عام".
وفيما حثّ زاسبكين على استغلال أي فرصة لاعادة النازحين وعدم انتظار استكمال التسوية السياسية بشكل كامل لأن ذلك قد يستغرق سنوات، اعتبر ان "هذه العودة تؤثر ايجابا على تطور الاوضاع في سوريا لا سيّما وان العائدين سيكونون مثالا للآخرين وعنصر لتنقية الأجواء في البلد".
عون في موسكو
وتناول زاسبكين ملف العلاقات اللبنانية–الروسية، معتبرا ان الزيارات التي يقوم بها مسؤولون لبنانيون الى موسكو وآخرهم رئيس الحكومة سعد الحريري، "تطور طبيعي للعلاقات بين البلدين خاصة وان الظروف بعد انتخاب رئيس للبلاد وتشكيل حكومة فاعلة باتت مناسبة لتفعيل التعاون بين لبنان وروسيا". وأوضح ان المفاوضات التي أجراها الحريري في موسكو كانت "شاملة ولحظت التعاون الاقتصادي والتجاري والثقافي والعسكري، لافتا الى انّه تم خلال الزيارة تحديد أفق المرحلة القادمة للتعاون". وأضاف: "أما زيارة الرئيس ميشال عون فستحصل وهي مبرمجة، لكن يبقى تحديد موعدها وهذا امر مرتبط بأجندتي الرئيسين الروسي واللبناني"، معتبرا انّها ستكون "خطوة مهمة" في مسار تطور العلاقات بين البلدين.
ونفى زاسبكين تماما ان تكون روسيا تسعى لمنافسة واشنطن على الساحة اللبنانية، مشددا على ان "هذا الأمر غير وارد بالنسبة لموسكو التي تعرف تماما الخصوصية اللبنانية، وبالتالي هي لا تتصور أن يكون هناك طرف لبناني متفوق على الآخر"، لافتا الى "وجود جهود دولية يبذلها اكثر من فريق للمساعدة اضافة الى ما تقدمه المجموعة الدولية لدعم لبنان".
وردا على سؤال عما أشيع مؤخرا عن هواجس روسية من ضغوط تمارسها واشنطن لحصر التعاون العسكري بها، قال زاسبكين: "نحن لا نعلق على التصرفات الأميركية، وقد أجرينا اتصالات لبحث هذا الموضوع في السنوات الماضية، ونعتبر ان انتخاب رئيس للبنان وتشكيل حكومة فاعلة فتحا أفقا جديدة للتعاون العسكري، خاصة بعد زيارتي وزير الدفاع ورئيس الحكومة الى موسكو". وتابع "نحن لا نشعر بأن هناك حاليا ما يعرقل هذا المسار، ولكن الحديث عن نتائج ملموسة لا يزال سابقا لأوانه". وشدد السفير الروسي على انّه ليس مكلفا تحديد ما اذا كانت موسكو ستقدم هبات عسكرية للبنان ام ان التعاون العسكري سيقتصر فقط على صفقات سلاح يشتريها لبنان.
الأولوية لمكافحة الارهاب
واعتبر زاسبكين ان الوضع الأمني في لبنان "أصبح أفضل بكثير بعد تحرير الأراضي اللبنانية من العصابات الارهابية"، الا انّه شدد على "وجوب استكمال الحرب على الارهاب من منطلق أن حقل المعركة هو واحد ويمتد من العراق الى سوريا فلبنان"، لافتا الى انّه "قبل القضاء على الارهابيين في كل هذه المناطق لا يمكن ان نكون مرتاحين أمنيا". واضاف "روسيا من جهتها ستواصل العمل العسكري في هذا المجال بالتعاون مع الجيش السوري وحلفائه".
وأشار السفير الروسي ان "عملية مكافحة الارهاب تحظى حاليا بالأولوية في سوريا الى جانب عمل الأطراف الـ3 الضامنة اي روسيا وتركيا وايران بالتنسيق مع النظام السوري وعدد من الفصائل المسلحة لفرض نوع من الهدنة المتجسدة حاليا بمناطق خفض التصعيد، والذي يشكل أساس مسار آستانة، الذي، نعمل على تطويره من خلال تثبيت الأمن والاستقرار في هذه المناطق وتحسين الأوضاع الانسانية". وقال: "العمل على تحقيق التسوية السياسية أمر مهم ويجب ان يكون تتويجا لكل ما يحصل حاليا، علما ان محاولات احراز تقدم بمسار جنيف مستمرة خصوصا وأن المملكة العربية السعودية تسعى بالمرحلة الراهنة لتوحيد المعارضة الخارجية". وحثّ ايضا على "تطوير فكرة الحوار الوطني السوري بمشاركة كل مكونات المجتمع، بهدف اعادة الوفاق واجراء الاصلاحات المنشودة بما في ذلك الانتخابات باطار برنامج متكامل يتحقق خلال السنوات المقبلة".
تدهور العلاقات الاميركية-الروسية؟
وردا على سؤال عن العلاقات الأميركية-الروسية، أشار زاسبكين الى ان "التعاون بين الطرفين لا يزال متوقفا منذ الفترة الماضية من ولاية الرئيس الاميركي السابق باراك أوباما"، لافتا الى ان "التدهور بالعلاقات مستمر لا سيّما وان واشنطن تسعى للهجوم على موسكو بكافة المجالات والقضايا المطروحة حاليا على الصعيد الدولي". وأضاف "اما بخصوص الوضع في سوريا فالصورة هناك ذات وجهين، اذ نلاحظ من جهة عراقيل ومماطلة واستفزازات من قبل الاميركيين وتأمينهم تغطية للارهابيين، ومن جهة أخرى هناك نوع من التعاون المحدود لتفادي التصادم، اضافة لوجود تعاون جزئي بما يخص مناطق خفض التصعيد وبالتحديد في الجنوب السوري". وخلص اللسفير الروسي الى القول "من هنا لا يمكن التعاطي مع العلاقات بين روسيا وأميركا بما يتعلق بالملف السوري على أساس أبيض أو اسود، علما ان موسكو جاهزة دائما للتعاون مع الأميركيين طبقا لجهوزيتهم سواء بالملف السوري أو غيره من الملفات".