من الواضح ان اسرائيل لا تعيش افضل ايامها حالياً، على الصعد كافة: سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً وحتى عسكرياً، ولا يحتاج الامر الى الكثير من التفكير للجزم بأن ليس هناك من موقف اسرائيلي واحد حول ازمة يعتبرها البعض داخل اسرائيل بأنها "ازمة وجود" وتطال مستقبل الاسرائيليين بشكل عام، والحديث هنا عن ازمة الاتفاق النووي الايراني.
جاهد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو كثيراً لافشال التوصل الى اتفاق خلال عهد الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما، وفشل. وعمد بعد انتخاب دونالد ترامب، الى زيادة جهوده لابطال او على الاقل التشكيك وتعليق الاتفاق، فلاقى معارضة قوية ليس فقط من الاوروبيين والروس، بل ايضاً من داخل اسرائيل من قبل المعارضة. واذا كان من الطبيعي ان تكون المعارضة على اختلاف في الرأي السياسي مع رئيس الحكومة، الا ان من غير الطبيعي ان يتحدث مسؤول عسكري سابق في الجيش بطريقة مغايرة عما يتحدث به نتانياهو في شأن الاتفاق، نظراً الى مكانت العسكرية السابقة ونظرة الجيش اليه ورهانه هو شخصياً على القوات الاسرائيلية عند كل مفترق يقف امامه. الا ان ما قاله رئيس الاستخبارات السابق في الجيش الاسرائيلي عاموس يادلين ودعا من خلاله ترامب الى عدم الانسحاب من الاتفاق النووي حالياً، اثار الكثير من التساؤلات.
صحيح ان دوافع يادلين ليست سلمية ولا يهدف الى فتح قنوات الحل السلمي في المنطقة، ولكنه ينطلق بالطبع من رعاية مصلحة الاسرائيليين اولاً، وهو يرى ان على ترامب الا يكتب في الوقت الراهن مستقبلاً اسود للاتفاق، بل عليه انتظار الفرصة المناسبة للانسحاب والعمل حاليا ًعلى جمع اكبر قدر ممكن من المؤيدين للوقوف الى جانبه. ويدرك يادلين ان ترامب يقف وحده في هذا المسار في شأن الاتفاق النووي، فأوروبا ابتعدت عنه في هذا السياق، ولعل الموقف الاوضح تمثل بابلاغ رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي لنتانياهو عدم رغبة الاوروبيين في الانسحاب من الاتفاق، ناهيك عن الموقف الروسي الرافض الذي يتجانس تماماً مع الموقف الصيني.
ويعلم يادلين ايضاً ان لا اسس واضحة يرتكز اليها ترامب للخروج من الاتفاق، خصوصاً وان مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا يدع مناسبة الا ويؤكد ان ايران ملتزمة تماماً ببنود الاتفاق النووي، وهذا يعطيها غطاء رسمياً بأن لا سبب يدعو الى نقض الاتفاق او التشكيك فيه. واذا اصرّ ترامب على موقفه المعلن من الاتفاق، وانحازت اسرائيل اليه، فسيكونان الخاسران الكبيران، لانهما لن يملكا تفويضاً رسمياً بالقيام بعمل عسكري ضد ايران من جهة، فيما ستكون العقوبات اذا ما اقرّت من قبل واشنطن، محدودة بينما تتعامل طهران مع كل العالم دون احراج. وستظهر ايران بأنها معتدى عليها وانه تم دفعها لاتخاذ خط اكثر تشدداً بعد الانفتاح الذي اظهرته في الفترة التي سبقت الاتفاق وتلته. واذا كانت اميركا قادرة على التغاضي عن اللوم او "الغضب" الاوروبي والعالمي، فإن اسرائيل غير قادرة على ذلك، وستعاني بشكل اكبر على كافة الصعد، وهو امر ادركته المعارضة، ورأت انه سيزيد من عزلة اسرائيل لانها لن تربح شيئاً، فالعلاقة مع اميركا جيدة بالاصل فيما ستخسر امكان تحسين العلاقات مع اوروبا وروسيا.
باختصار، قد تكون من المرات النادرة التي يجد فيها الاسرائيليون انفسهم منقسمين حيال من يتفقون على اعتباره "عدواً"، ليس بسبب تعاطفهم معه، بل من اجل عدم تضييق الخناق على انفسهم، فيما العد العكسي الذي حدّده ترامب لنفسه من اجل اعلان موقفه النهائي حول التزام ايران بالاتفاق من عدمه، اصبح قريباً جداً ولا تفصلنا عنه الا فترة تقدر بساعات معدودة...