ليست هي المرة الاولى التي يتصدى الرئيس نبيه بري للازمات ويكون في واجهة الحدث دائماً. منذ العام 1992 وخلال توليه الوزارة السادسة في حياته السياسية عندما تولى وزارة دولة لشؤون الجنوب والاعمار في حكومة الرئيس الراحل رشيد الصلح وهو يمثل صمام الامان لهذا البلد بجنوبه ومقاومته وشعبه. ولعل الاختبار الاصعب والادق في تاريخ الرئيس بري السياسي كان لحظة الاعلان عن اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي كان له ومعه صولات وجولات في السياسة والامن والاقتصاد وجعله يتحول من مجرد مستثمر سعودي الى رجل دولة بامتياز فالغبار الذي شاب مسيرة الرئيس الشهيد الحريري في العام 1993 بفعل العدوان الاسرائيلي على لبنان زال في عدوان العام 1996 عندما حقق الحريري الاب معادلة الصواريخ مقابل الخروق او الكاتيوشا مقابل الاعتداءات الصهيونية. لحظة الاغتيال تنبأ الرئيس بري بحدسه العالي وتبصره حجم المؤامرة التي حيكت باغتيال الحريري وحجم الاستهداف انهم يريدون رأس المقاومة سورية ويريدون اشعال فتنة سنية في لبنان وفي المنطقة. كان بري اول من قرأ ما جرى في العام 2011 بعد اول شرارة ما يحضر لسورية كما قرأ في العام 2005 هول ما يدبر لحزب الله ولبنان. فنبيه بري لمن يعرفه ومن لا يعرفه هو خير عالم وقارئ للاحداث بما يمتلك من خبرة سياسية وامنية وعسكرية وفي فن التفاوض والحنكة السياسية. بعد عام من اغتيال الحريري قامت اسرائيل بعدوانها الشهير على لبنان في تموز من العام 2006 وتعرض بري الى ضغط شديد من "كوندي رايس" الصديقة الودودة للرئيس فؤاد السنيورة وصالت وجالت بين بيروت وواشنطن للحصول على استسلام حزب الله. ويروي الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في اكثر من جلسة مغلقة مع كبار قيادات المقاومة كيف ان الرئيس بري صمد امام الضغط الاميركي ونسف التهديدات الاميركية وكيف صاغ بدقة وعناية كل فاصلة ونقطة وكيف افشل المفاعيل السياسية لعدوان تموز بعدما سقطت اسرائيل في الميدان وصمدت المقاومة وانتصرت بعد 33 يوماً. ففي حين بري افشل كل المخططات الاميركية والاسرائيلية ونجح في افراغ هذا العدوان من اي نتائج لمصلحة العدو، كان السنيورة ومن معه من اقطاب 14 آذار وسعد الحريري وسمير جعجع وكثيرون ينتظرون البواخر لتحميل الشيعة فيها وينتظرون انشاء محكمة لمحاكمة السيد نصرالله وقيادة المقاومة وكل من يساندهم ويلف لفهم.
وخلال احداث ايار في العام 2008 لعب الرئيس بري مرة جديدة دور الحامي للمقاومة عندما تجرأ بعض المارقين على الاعتداء على مقر الرئاسة الثانية وعندما لم يوفروا من افعالهم الشائنة مواطناً في بيروت كما توسلوا حصول الفتنة من خلال استهداف الشيعة في الجامعة العربية والطريق الجديدة ومار مخايل ونجح بري في وقف الانهيار الكبير الذي تلى احداث 7 ايار واحداث 11 ايار 2008 وانجز اتفاق الدوحة وكان ما كان قبل ان يسقط الاتفاق في 2011 وتقع احداث سورية بعدها بفترة بسيطة.
وطوال الازمة السورية ايقن بري حجم المؤامرة التي تحاك ضد سورية ولبنان وكل المنطقة ومخطط التفتيت الجديد وتقسيم المقسم واعادة رسم حدود سايكس بيكو بالدم وبحدود جغرافية ترتكز على التمييز بين الاعراق والاديان والقوميات كما حذر من مخطط اضاعة فلسطين وطمس هويتها وقضيتها وكل معالم صمودها من العام 1948 حتى اليوم.
ومنذ ثلاثة اعوام وحتى اليوم وناهيك عن دوره في ادارة الازمة خلال الشغور الرئاسي بحنكة ودراية معهودين لديه، تصدى بري لمفاعيل العقوبات الاميركية على حزب الله ولبنان ونجح في المرة الاولى للاعلان عن العقوبات في وقف مفاعيلها لتصبح من دون تأثير يحسب له حساب من خلال الوفود النيابية التي ارسلها الى واشنطن للتأكيد ان حزب الله جزء من اللعبة السياسية اللبنانية وممثل في الحكومة وفي البرلمان ولا يمكن عزل تأثير العقوبات عليه وعلى افراده عن باقي الطائفة الشيعية والمجتمع اللبناني فالجميع سيتأثر بالعقوبات.
واليوم وعى بري مبكراً خطورة النسخة الموسعة من العقوبات الاميركية على حزب الله ونبه من خطورة اشتداد اللهجة الاميركية ضد ايران وفي ظل الاقتتال الدائر بين الامم على الارض السورية.
في تصريحاته الاخيرة طالب بري كل اللبنانيين وخصوصاً اهل السلطة والقرار بالوحدة والانتباه والتيقظ من خطورة ما يحاك لحزب الله ولبنان وعقد لقاء مع الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط في رسالة واضحة الى الاميركيين والسعوديين ان لا احد في لبنان يريد ان يكون في حلف خارجي ضد لبنان وحزب الله ولا قدرة للبنان ان يتحمل مواجهة داخلية من هذا النوع فدعوة بري الى الوحدة والتكاتف لمواجهة المؤامرة الجديدة هي مرة جديدة من صمامات الامان التي يزرعها بري في قلب لبنان المقاومة.