العالم كلّه يترقّب ما سينتهي إليه «الكباش»: هل سينجح الرئيس الأميركي دونالد ترامب في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء في ما يتعلّق بالاتفاق النووي مع إيران؟ القريبون من تفكيره يقولون: «لقد جعلت أخطاء أوباما من هذا الهدف مسألةً صعبة، لكنّها ليست مستحيلة. والولايات المتحدة ستخوض هذا التحدّي».
عكفَ الرئيس الأميركي، طوال تسعة أشهر، على إجراء مشاورات مع الكونغرس وحلفاء واشنطن حول الملف النووي الايراني، بحثاً عن «السبيل الأفضل لحماية أمنِنا القومي». ويُراهن على أنّ المجتمع الدولي سيختار الوقوفَ مع الولايات المتحدة لا مع إيران، لأنّ مصلحة الأمن الدولي تستوجب ذلك.
ووفقاً لتحليلات الدكتور وليد فارس، مستشاره لشؤون الشرق الأوسط خلال الحملة الانتخابية، فإنّ عمقَ المسألة لا يَكمن فعلاً في مدى التزام الإيرانيين- تقنياً- تنفيذَ الاتفاق النووي، بل هو خصوصاً في مكان آخر.
فالاتفاق يَسمح لإيران بالحصول على 150 مليار دولار. وهذه المبالغ الطائلة يَستخدمها النظام الإيراني لتطوير صناعته العسكرية والحصول على صواريخ بعيدة المدى ودبّابات وقدرات عسكرية أخرى ولينشر قوّاته وميليشياته في الشرق الأوسط. وهذا ما يَعتبره ترامب خطّاً أحمر، لأنه يمسّ الأمن القومي الأميركي في المنطقة.
وقرار ترامب تغييرَ استراتيجية الولايات المتحدة تجاه إيران ليس مستغرَباً. فمَن قام أوّلاً بتغيير استراتيجية الولايات المتحدة تجاه إيران هو الرئيس السابق باراك أوباما. واليوم، يبدو منطقياً أن يقرّر ترامب العودةَ عن هذه الاستراتيجية التي أوصلت إلى هذا الاتفاق الخطِر مع النظام الإيراني.
لقد وعَدَ ترامب، خلال حملتِه الانتخابية، بالعودة عن السياسة التي اعتمدها أوباما منذ 2009، التي بدأت برسالة وجّهها إلى آية الله خامينئي، وعلى مدى سنوات، انزلقَت إلى هذا الاتفاق الذي يُعتبَر خسارةً للولايات المتحدة، ويشكّل تهديداً لأمنها القومي في المنطقة.
ومع «الربيع العربي»، استفادت إيران من موقف أوباما لتتمدّدَ في العراق ثمّ سوريا، وقبلهما في لبنان، ثمّ اليمن لاحقاً. وفي رأي هؤلاء أنّ الخطأ الاستراتيجي المميت الذي ارتكبَه الرئيس الأميركي السابق هو أنه فتحَ للنظام الإيراني مجالاً ليتحرّك في الشرق الأوسط، بغطاءٍ من هذا الاتفاق النووي.
وإذ كان مفترضاً أنّ الهدف من الاتفاق هو حصرُ قدرة إيران، فإنّه واقعياً أدّى إلى نتيجة معاكسة لأنه مكّنَ إيران من تمويل قدراتها التوسّعية. وموضوع القنبلة النووية يأتي هنا في آخِر المطاف. ولذلك، قرَّر ترامب وإدارته، وفي الدرجة الأولى من الأهمّية، وضعَ حدٍّ للانفلاش العسكري والأمني الإيراني.
ووفق فارس، سعى ترامب إلى تحقيق 3 أهداف أساسية من خطابه الأخير، قبل يومين:
1 - أراد أن يوضح الصورة الحقيقية للرأي العام الأميركي الذي تمّ إبقاؤه بعيداً عن الواقع في ظلّ إدارة أوباما.
2 - وضَعَ الكونغرس الأميركي أمام مسؤولياته في إعادة صياغة السياسة الأميركية تجاه إيران. وللتذكير، لم يتمكّن الكونغرس من فرملةِ إقرار الاتفاق النووي يومَ أرسَله إليه أوباما، على رغم أنّ فيه غالبيةً من الجمهوريين. ولذلك، يقول ترامب لأعضاء الكونغرس اليوم: «تفضّلوا. أنا الآن رئيس جمهوري، وأُرسِل مشروعي إلى الكونغرس ذي الغالبية الجمهورية. لقد بات في إمكاننا التصرّف لتغيير السياسة تجاه طهران».
3 - يوجِّه ترامب رسالةً إلى المتردّدين في أوروبا وسواها. وهو يقول لهم في شكلٍ واضح: عليكم أن تحدّدوا. هل تريدون أن تكونوا شركاءَ مع اقتصاد النظام الإيراني أو الاقتصاد العالمي الأميركي، ومعه الاقتصاد الخليجي والعربي والإسلامي عموماً؟
ومنعاً لأيّ التباس، لا يطرح ترامب فكرةَ شنِّ حربٍ على إيران، ولا خلقَ أزماتٍ عالمية. فقط هو يقول بتغيير السياسة الأميركية، وهذا أمرٌ مشروع وممكن، وإنْ كانت تعترضه صعوبات. فعندما وقّعت الإدارة السابقة الاتفاق النووي مع طهران وأعطته الغطاء في الأمم المتحدة، جَعلت الخروجَ منه اليوم أكثر صعوبة، لكن الأمر، بالتأكيد، ليس مستحيلاً.
ويَعتقد فارس أنّ ثمّة إيجابيات يُمكن تسجيلها اليوم في ظروف المواجهة مع طهران لم تكن موجودةً خلال المواجهة معها في المرحلة السابقة. فهناك أكثر من 48 دولة من العالم العربي وإسرائيل ودولٍ في أوروبا وأميركا اللاتينية تدعَم إدارة ترامب في مواجهة هذا الاتفاق.
لكن الأهمّ هو أنّ ترامب لا يسعى إلى الاكتفاء بمواجهة الاتفاق الحالي مع إيران، بل يريد استبداله باتّفاق إقليمي أمني أقوى. ففي العمقِ، ليس الهدف هو الاستغناء عن اتفاقات معقودة، بل تقوية الحظوظ لاستيلاد اتفاقات أكبر وأقوى. وستتقدّم إدارة ترامب، والذين معها في الكونغرس، في هذا الاتجاه بثبات، ومعهم شركاء واشنطن من دولٍ عربية وإسلامية في المنطقة، وكذلك المعارضة الإيرانية ودول أخرى تدعم هذا الموقف.
إذاً، المواجهة انطلقَت بين ترامب وطهران، وبناءً على نتائجها ستتقرَّر صورة المعادلات الاستراتيجية في الشرق الأوسط. فالبيت الأبيض يَعتبر أنّ هناك نقاطاً حتّمت صوغ الاستراتيجية الشاملة تجاه إيران، ومنها أنّ «سياسة الولايات المتحدة على مدى العقدِ ونصفِ العقد الماضي أعطت الأولوية للتهديد المباشر الذي تشكّله الحركات المتطرّفة السنّية، على حساب التهديد الطويل الأمد الذي تُمثّله الأعمال المسلّحة التي تدعمها إيران».
وإذ يكشف البيت الأبيض أنّ طهران سارعت في الفترة الأخيرة إلى تزويد «شبكات إرهابية» أسلحةً مدمّرة بنحوٍ متزايد «أثناء محاولتِها إنشاءَ جسرٍ إلى لبنان وسوريا»، على أمل «السيطرة على الشرق الأوسط الكبير»، يصبح مشروعاً السؤال في لبنان، وفي ظلّ العقوبات التي يرتفع منسوبُها تدريجاً على حلفاء إيران: «هل مِن سبيلٍ إلى تجنيب لبنان دفعَ أثمانٍ جديدة»؟