كثر الحديث في الداخل اللبناني عن وجوب أن يتحمّل المجتمع الدولي المسؤولية في ملف النازحين السوريين وعن ضرورة أن تلعب الأمم المتحدة دوراً أكبر علىمستوى إيجاد الحلول لتداعيات الأزمة السورية.
لكن هل يريد المجتمع الدولي فعلاً حل أزمة النازحين؟
تنقسم المكونات السياسية في مواقفها من أزمة النازحين بين مَن يؤكد أنه لا يجوز انتظار المجتمع الدولي لحل المسألة، لأن له حساباته، وبين مَن يربط الحلبالتنسيق فقط مع الأمم المتحدة.
وسط هذا التخبّط السياسي حيال هذا الموضوع، لا يزال الموقف الدولي من ملف النازحين السوريين يسوده الغموض. لقد تناوب سفراء الدول الخمس الكبرى أمس، خلال لقائهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قصر بعبدا على الكلام، شارحين مواقف دولهم ومنظماتهم من الموضوع.
وبحسب معلومات "البناء" تكاد تكون بعض هذه المواقف غير متجاوبة مع طلب لبنان المحقّ بعودة آمنة للنازحين السوريين. وتؤكد مصادر وزارية مقربة من بعبدا لـ "البناء" أن مواقف المجتمع الدولي رمادية حيال البتّ بأزمة النازحين ولا تمت بصلة إلى الحاجة الملحة لحل الأزمة السورية. فسفراء عدد من الدول أكدوا أن على لبنان أن يبقي الوضع كما هو الآن، بانتظار كيف ستتطوّر المسألة السورية؟
لم يوقع لبنان اتفاقية العام 1951 بالمتعلقة بالتوطين، علماً أن دولاً عدة وقعت هذه الاتفاقية، ويمكنها أن تأخذ إجراءات تحفظ حقوق مواطنيها وسلامة أراضيها بحسب المادة 9 من هذه الاتفاقية في حالات النزوح الكثيف. لكن لبنان تمسّك في المقابل بالقانون الإنساني الدولي، علماً أن هذا القانون قد تنشأ عنه حقوق للنازحين واللاجئين بعد فترة من النزوح الذي يصبح بالتمادي الزمني لجوءاً.
فهل يملك لبنان القدرة على التحمل؟
تؤكد المصادر الوزارية نفسها، أن الرئيس عون لن يسمح بأن يتحوّل النازحون قنبلة موقوتة قد يستغلها البعض، لا سيما أن "إسرائيل" هي المستفيد الأول والأخير من عناصر التفجير في لبنان. ولن يسمح بأن تتكرر تجربة العام 1975.
بالنسبة للرئيس العماد، يعيش لبنان أزمة النزوح بجوانبها كافة ويتحمل وحده تقريباً العبء الكبير المترتب أمنياً، اقتصادياً، اجتماعياً ومعيشياً. وبالتالي أصبح لزاماً، كما يقول، على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بذل الجهود الممكنة كلها وتوفير الشروط الملائمة لعودة آمنة للنازحين إلى بلدهم، لا سيما إلى المناطق المستقرة التي يمكن الوصول إليها، أو تلك المنخفضة التوتر، من دون أن يتم ربط ذلك بالتوصل إلى الحل السياسي. فأي انفجار قد يحصل في لبنان في حال تعذر حل الأزمة السورية وعودة النازحين إليها، لن تقتصر نتائجه على لبنان فقط، بل قد تمتد إلى دول كثيرة.
يؤكد الرئيس عون، بحسب زواره، أن النزوح لا يجوز التعاطي معه على طريقة دفن الرأس في الرمال، كما تفعل النعامة عند الخطر. لم يعد النزوح يتهدد البنى التحتية ويثقل الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي، ويولد إشكاليات بين النازح والمواطن اللبناني في عمله وأمنه مع ازدياد الجرائم فحسب، إنما بات يهدّد لبنان الكيان.
وبحسب ما تؤكد المصادر الوزارية، فإن ما تقترفه بعض القوى هو تنكر للواقع وشرود عن المصلحة الوطنية العليا. ربما تصح مقولة النأي بالنفس عن صراعات الإقليم،لكنها لا تصح عما قد يتأتى عن هذه الصراعات من تداعيات على سلامة الأرض والشعب وعلى الاستقرار الأمني والاجتماعي والمالي والسياسي. فمَن يعيش من الفرقاء السياسيين هاجس الاستقرار الداخلي بجوانبه المتعددة لا يقف متفرجاً على المشاكل الناجمة عن النزوح. نزوح فاق طاقة لبنان على تحمله. إذ إن هناك 153 نازحاً في الكيلومتر المربع الواحد، بينما لا تشكل هذه النسبة أكثر من 5 نازحين في الكيلومتر المربع في الدول الأخرى.
ترفض المصادر الوزارية،كلام رئيس حزب القوات سمير جعجع من أستراليا من دون أن تسميه "أننا لن نسمح بعودة النفوذ السوري إلى لبنان، بالرغم من عملية الاحتيال الكبيرة الجارية حالياً، حيث يقول البعض إذا كنتم تريدون عودة النازحين عليكم التحدث مع الرئيس السوري بشار الأسد،على طريقة وداوني بالتي كانت هي الداء".
وترى المصادر نفسها أن هذا الكلام قد يكون جهلاً متعمداً عما يعانيه لبنان من جراء النزوح. فلا يجوز نقل المشكلة أو الداء من مقلب إلى آخر. من الخطأ القول إن لبنان يستغل هذا الملف لتطبيع العلاقة مع الدولة السورية. هذه الأزمة قد تصبح مرضاً مستعصياً إن لم يتم تدارك خطرها ومعالجته بالوحدة الوطنية ومقاربته بمفهوم وطني واحد.
بالنسبة إلى بعبدا الحل الإقليمي قد يأتي أو لا يأتي. قد يأتي سريعاً أو متأخراً. من هنا ليس أمام لبنان إلا الانكباب على معالجة هذه المسألة. لقد تقدّم التيار الوطني الحر بـ "خريطة طريق" لحل أزمة النزوح بالتدرج، بحسب الأسباب والأعداد وأماكن حالات النزوح. وبالتالي آن الأوان لمجلس الوزراء أن يعالج هذه المسألة من دون وجل أو تردد أو خوف، وتسمية الأشياء بأسمائها والاتفاق على هذه الورقة بما فيها وما عليها.