تدابير أمنية مشددة تحيط بالسفارة الروسية في بيروت منذ قرار موسكو الانخراط بالحرب السورية. السفارة الواقعة في منطقة مار الياس في بيروت والتي تجاورها احدى الكنائس القديمة في العاصمة، تشبه الى حد بعيد بتقسيماتها الداخلية وباحتها الخضراء الواسعة وزارة الخارجية اللبنانية. الشارع الداخلي حيث تقع السفارة والذي بات معزولا عن الشارع الرئيسي نتيجة حواجز الباطون كما اجراءات الجيش وقوى الأمن، يبدو وكأنّه أُسقط عن طريق الخطـأ في منطقة كورنيش المزرعة التي تعجّ بالسكان والحياة والزحمة. هو يبدو أشبه بأحد شوارع عوكر أو الرابية بعد أن بللته الأمطار الأولى لشهر تشرين الأول. انها الساعة الثانية عشر والنصف. الباب الرئيسي الحديدي للسفارة مغلق. أحد الحراس يسأل عبر الانترفون عن هوية الزائر وسبب الزيارة قبل أـن يطلب منه الانتظار للتحقق من الأجوبة. تمر أكثر من 7 دقائق يفتح الباب حارسان روسيان لا يجيدان الانكليزية ولا العربية. كل شيء هادىء في الداخل. وحدها مُساعدة السفير الجميلة والأنيقة تبث بعض الحياة في أرجاء السفارة. تُحادث الضيف بالانكليزية بطلاقة والحرس باللغة الروسية الحادة. المسار من البوابة الرئيسية الى الصالون حيث من المفترض أن ننتظر السفير ليس طويلا. كما ان عملية تفتيش بسيطة كافية لطمأنة أمن السفارة. اما الموظفون الذين تصادفهم في الأنحاء لا يتخطى عددهم عدد أصابع اليد الواحدة.
الصالون حيث انتظرنا السفير يجمع بأثاثه القديم وديكوره بين العراقة الروسية والتراث اللبناني. ليس هناك الكثير ليحدق به الزائر. فآخر ما يسعى اليه الروس على ما يبدو جذب الانتباه او الابهار، وان كان الدبلوماسي الذي اختاروه على رأس سفارتهم في بيروت مُبهر بطلاقته باللغة العربية وبمقاربته لكل ملفات المنطقة دون تردد بخلاف سفراء آخرين يحرصون كل الحرص على حصر حديثهم ببعض الملفات اللبنانية والتي يُسمح لهم بالتطرق اليها.
لم تنته السفارة الروسية في بيروت على ما يبدو بعد من مهمتها الاستطلاعية المفترض أن تمهد لوضع خطة تحرك تحجز موسكو لنفسها من خلالها دورا رئيسيا على الساحة الدبلوماسية في لبنان التي تتزعمها، ان لم نقل تنفرد بها منذ سنوات الولايات المتحدة الأميركية. الدور الروسي المتعاظم في سوريا والذي أعاد موسكو الى موقعها السابق كقطب عالمي كسر الأحادية الأميركية في زعامة العالم، لا يزال محدودا جدا في الداخل اللبناني وان كانت روسيا تحولت مؤخرا محجّة لعدد من المسؤولين اللبنانيين وآخرهم رئيس الحكومة سعد الحريري الذي ذهب سائلا عن مصير المنطقة وباحثا عن تثبيت علاقته بالقيادة الروسية التي تتولى العملية الجراحية السورية كما مهمة توزيع الأدوار ومناطق النفوذ من خلال مسار آستانة الذي تقوده موسكو والذي أطاح الى حد بعيد بمسار جنيف والذي كانت ترعاه ولو من بعيد واشنطن.
"التدهور بالعلاقات الأميركية-الروسية مستمر"، يقولها السفير ألكسندر زاسبكين من دون تردد، وان كان لا ينسى ان يمر على تفاهمات جدّ محدودة بين القطبين العالميين بخصوص بعض الملفات السورية. في لبنان، ينفي الدبلوماسي الروسي تماما أن تكون موسكو تسعى لمنافسة واشنطن على دور ريادي او في عملية دعم فريق من اللبنانيين بوجه فريق آخر، وهو ما تؤكده فعليا الحركة الروسية الخجولة في الداخل اللبناني مقارنة بحركة دبلوماسيين آخرين.
وفيما يهمس متابعون بأن اللاعب الايراني هو الذي يقيّد الحركة الروسية في لبنان نتيجة دوره المتعاظم وامساكه بكل أدوات اللعبة الداخلية من جهة فريق 8 آذار، مقابل الدور الاميركي-السعودي من جهة فريق 14 آذار، لا يستبعدون ان تلتفت موسكو أكثر في المرحلة المقبلة الى الساحة اللبنانية بعد الانتهاء من وضع القطار السوري على سكة الحل، وان كانت ملامح هذا الحل لم تتبلور بعد. هذا القطار الذي لن يتأخر بالوصول الى الداخل اللبناني حيث من غير المستبعد ان يترجل منه حينها اللاعب الروسي لمقارعة خصمه الاميركي اللدود في ساحة جديدة.