منذ مدة والروائح الكريهة تطغى على منطقة تمتد من محيط المحجر الصحي الى محيط مرفأ طرابلس، وتصل في بعض الاحيان وحسب حركة الرياح الى داخل شوارع المدينة، ولكن لا عجب من هذه الرائحة فجبل النفايات الذي يرتفع عند شاطىء الميناء في جوار مصب نهر ابو علي بات معلما بشعا وخطرا بيئيا يهدد المدينة برمتها.
لم تعد الروائح المنبعثة من جبل النفايات مصدر ازعاج وحسب بل باتت خطرا صحيا يطال كل منزل من منازل طرابلس بفعل استقباله لكميات من النفايات، تصل يوميا الى قرابة الـ400 طن ليصبح ارتفاع الجبل ما يقارب الـ40 مترا.
انشىء المكب عام 2005 على مساحة ارض كبيرة في منطقة المحجر الصحي شرط التزام الشركة المتعهدة (لافاجيت) بعروض المناقصة التي اجراها المجلس البلدي برئاسة الراحل العميد سمير الشعراني، وتضمن دفتر الشروط يومها الاّ يتجاوز علو المكب اكثر من 20 مترا، على الاّ تزيد مدة العمل فيه اكثر من عشر سنوات، ثم يتم حسب العقود المتفق عليها تحويله الى حديقة عامة.
وبطبيعة الحال، لم تلتزم الشركة بالشروط المطلوبة، وغابت البلدية عن دورها الانمائي والصحي، بحيث تجاوزت مدة العمل فيه 17 عاما، ما يعني ان المكب يحتاج الى حلول سريعة قبل فوات الاوان.
قبل عامين زار وفد تركي من مجلس بلدية اسطنبول مدينة طرابلس بدعوة من مجلس بلديتها، وبعد جولة قصيرة للوفد في ارجاء المدينة لاحظ الوفد مكب النفايات ففوجئ بارتفاعه واستسفر عنه، وعرف ان المكب بات غير صالح للعمل منذ سنوات، فابدى ملاحظاته حوله وطرح حلولا، وعرض للبلدية بحسب ما علمت "النشرة" مخاطر المكب خصوصا ان نفس المشكلة واجهتهم في احدى المدن التركية حيث ادى الاهمال في معالجة المكبّ الى انفجاره وتسبب بمقتل 90 شخصا. واكد يومها رئيس الوفد التركي ان تمرير الوقت لا يصب في مصلحة اح،د وعرض وضع كل امكانياتهم لحل مشكلة المكب نتيجة خبرتهم العالية في هذا المجال.
وتشير المصادر الى ان المجلس البلدي الطرابلسي يومها أدار الأذن الصمّاء للأتراك، واستمر العمل بالمكب وهو اليوم لا يلتئم نتيجة التجاذبات السياسية التي انعكست بشكل مباشر على عمله.
وتقول المصادر، ان "اللافت للانظار ان القوى السياسية تطرقت قبل مدة الى مخاطر المكب وما يمكن ان يلحقه من اضرار كبيرة بالمدينة واهلها، حيث اعتبر الوزير السابق فيصل عمر كرامي ان المكب بات يهدد بكارثة بيئية داعيا جميع القيمين على البلدية واتحاد بلديات الفيحاء للعمل على إيجاد علاج جذري له قبل وقوع الكارثة المتوقعة، كاشفا عن تشقق فيه ومحذرا من انهياره في اي لحظة وفي حال حصول ذلك فانه سيؤدي الى كارثة بيئية في البحر والبر".
يؤكد جميع الخبراء البيئيين ان مدينة طرابلس مقبلة على كارثة بيئية وان المطلوب ايجاد الحلول الناجعة لمعالجة مكبّ النفايات الذي ينفث سمومه في سماء الشمال، مشيرين الى ان ذلك بدا من الروائح الكريهة التي تنبعث منه وتتفاقم يوما بعد.
في طرابلس اليوم تنشغل القوى السياسية في شد الحبال فيما بينها، وكلّ من جهته يسعى الى تعطيل ما تحتاجه المدينة من مشاريع انمائية بهدف افشال الخصم، لكن الحقيقة هي ان نسبة الخدمات الانمائيّة تراجعت الى ادنى مستوياتها، وما كانت المدينة تأمله من تغييرات في العمل البلدي وعودة نشاطه الغائب منذ سنوات، عطلته مناكفات القوى السياسية وعرقلت كل مشروع يمكن ان تستفيد منه طرابلس.