منذ الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، طُرحت علامات الإستفهام حول مستقبل الأوضاع في سوريا، مع إرتفاع مستوى التهديدات التي كان يطلقها مسؤولون أميركيون على مدى السنوات السابقة، وصولاً إلى بداية الحرب السورية الحالية في العام 2011.
هذه الحرب، أكدت بما لا يقبل الشك الترابط بين الأوضاع في البلدين، لا سيما على مستوى التهديدات الإرهابية والأطماع الإقليمية والدولية من جهة، بالإضافة إلى الأزمة الكردية المتفجرة من جهة ثانية، في ظل مشاريع "الإستقلال" التي يعبّر عنها أكراد العراق وتلك الفيدرالية التي يعبّر عنها أكراد سوريا، لكن ماذا بعد إستعادة بغداد السيطرة على كركوك التي كانت جزءاً من مشروع كردستان "الإستقلالي" أو "الإنفصالي"؟.
في هذا السياق، تشدد مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، على أن ما حصل في كركوك من المفترض أن يكون درساً قاسياً لأكراد سوريا والعراق معاً، مفاده بأن اللعب على التناقضات في الفترات الصعبة لن يجدي نفعاً، خصوصاً أن القوى الإقليمية الفاعلة، لا سيما تركيا وإيران، تعارض المشاريع الإنفصالية في البلدان المجاورة، بسبب التداعيات التي تتركها على أوضاعها الداخلية، من دون تجاهل الرفض الواضح الذي تعبر عنه كل من دمشق وبغداد معاً.
وترى هذه المصادر أن رهان القوى الكردية في البلدين ينبغي أن يكون على الحوار الداخلي مع باقي المكونات، بدل الدخول في مواجهات لن تكون قادرة على الصمود فيها طويلاً، خصوصاً أن القوى الدولية التي تدعي دعمها لها لن تحرك ساكناً في حال إنفجار الأوضاع كما حصل في الأزمة مع الحكومة العراقية، وتضيف: "من المؤكد أن رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني لم يذهب إلى خيار الإستفتاء على الإستقلال من دون غطاء خارجي"، لكنها تسأل: "ماذا كانت النتيجة"؟.
إنطلاقاً من ذلك، تعود المصادر نفسها إلى الرسالة التي كان قد وجهها السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد إلى أكراد سوريا، التي نصحهم فيها بالحوار مع الحكومة المركزية لأن بلاده لن تدافع عنهم في حال وقوع مواجهات عسكرية، حيث أكد أيضاً أنها تستغلهم في حربها على تنظيم "داعش" الإرهابي، بسبب غياب أي شريك قوي لها على أرض الواقع، وتعتبر أن هذا هو الواقع الفعلي سواء كان الأمر يتعلق بأكراد سوريا أو بأكراد العراق.
على هذا الصعيد، لدى أكراد سوريا قراءة خاصة لما حصل في كركوك، بالرغم من أنهم في السابق لم يتأخروا في الإعلان عن دعمهم لأشقائهم في العراق، لا بل ذهبوا إلى الإعلان عن إستعدادهم لإرسال قواتهم العسكرية للدفاع عنهم في حال تعرضهم لأي "إعتداء"، حيث تكشف مصادر مطلعة منهم، عبر "النشرة"، عن أخطاء في قراءة الأوضاع من جانب إقليم كردستان.
وبعيداً عن الخلافات الداخلية في إقليم كردستان التي لم تعد خافية على أحد، توضح هذه المصادر أن مشروع أكراد سوريا مختلف كلياً، حيث أنهم لم يطرحوا في أي مناسبة الإنفصال أو تشكيل دولة خاصة بهم على أساس قومي، بل على العكس من ذلك يُصرون على البقاء في إطار سوريا موحدة لكن بنظام فيدرالي، على قاعدة الإعتراف بالآخر والعيش معاً في إطار دولة واحدة، بعيداً عن العصبيات القومية والمذهبية.
وعلى الرغم من إعتراف هذه المصادر بالرفض السوري الرسمي لأي طرح فيدرالي، حيث ترى دمشق أن الحل الوحيد الممكن هو عبر قانون الإدارات المحلية الموجود في الدستور، تشير إلى أن الحوار بين الجانبين من الممكن أن يؤدي إلى نتيجة إيجابية بعيداً عن المواجهات العسكرية، لا سيما أن الجانب الروسي، الداعم الأساسي لدمشق، ليس بعيداً عن هذه الأجواء، وهو يقوم بجهود كبيرة لرعاية حوار سوري يطلق مرحلة التسوية السياسية، لأن الجميع بات مقتنعاً بأن الحل لا يمكن أن يكون عسكرياً فقط، باستثناء الجماعات الإرهابية.
في المحصلة، يبدو أن ما حصل في كركوك سيشكل نقطة تحول على مسار الأحداث، ضمن ما بات يعرف بمرحلة "وراثة داعش"، لكن هل تنجح الجهود المبذولة في منع الوصول إلى الصدام المباشر بين القوى المتنافسة؟.