تقدم عدد من المحامين بكتاب ملاحظات إلى النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي سمير حمود، تضمن مطالبة بالدفاع عن حق المجتمع بمقاومة الاحتلال "الاسرائيلي" وحق المتضررين من ذلك الاحتلال بالمطالبة بحقوقهم.
واستند كتاب الملاحظات، الى نصوص دستورية وقانونية، تشكل اسباباً موجبة ووجيهة للأخذ بها، باعتبار أن "اي حكم يصدر بإدانة الفعل الحاصل يشكل إدانة لفعل المقاومة لصالح جرم العمالة بما لذلك من تداعيات خطيرة على صورة لبنان المقاوم، وعلى المقاومة التي قدمت آلاف الشهداء لتحرير لبنان من رجس هذا الاحتلال".
وطالب المحامون النائب العام لدى محكمة التمييز "اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة لا سيما وضع ما ورد في كتابنا هذا موضع التنفيذ قبل صدور حكم مفصلي في مسألة على مستوى عال من الحساسية يسلب المواطنين حقهم المقدس بالمقاومة المكفول دستوريا وقانونيا والمكرس في جميع الشرائع والمعاهدات الدولية، كون حق المقاومة هو أعلى مراتب الوطنية التي يبلغها الإنسان الحر المجرد من أنانيته ومنافعه الفردية".
نص الكتاب:
حضرة النائب العام لدى محكمة التمييز
القاضي سمير حمود المحترم
الموضوع: مطالبة بالدفاع عن حق المجتمع بمقاومة الاحتلال "الإسرائيلي"، و حق المتضررين من ذلك الاحتلال بالمطالبة بحقوقهم بواسطتكم.
مؤخراً، أعاد المجلس العدلي تحريك قضية الأمين حبيب الشرتوني عن فعله الذي أدى إلى مصرع بشير الجميل.
إن تحريك الملف، و بالرغم من حساسيته المتضمنة فعل مقاومة صرف بوجه المتعاملين مع العدو، فقد انبرى بعض المعنيين مطالبين بالحكم بالإعدام، وإدانة فعل المقاومة.
وقد صدرت العديد من البيانات عنهم خلال الثماني والأربعين ساعة الماضية يؤكدون فيها ما سوف يتضمنه الحكم من قضاء بالإعدام، و إدانة لمنظومة المقاومة بكافة جوانبها الفكرية والعقائدية للإيحاء بأنهم يسيطرون على القضاء وبأن أحكامه مكتوبة سلفا.
نعم، لا بد من تحقيق العدالة. هذه العدالة التي من حيث ندري أو لا ندري، تضع في ميزانها فعلين لا يمكن بأي حال من الأحوال المساواة بينهما: فعل مقاومة العدو "الإسرائيلي" من جهة، وجرم التعامل معه منذ ردح طويل من الزمن و تشجيعه ومعاونة قواته على احتلال لبنان وإذلال شعبه ووضع اليد على الدولة اللبنانية بدءا من رأس هرمها أي رئاسة الجمهورية حتى آخره، وذلك من قبل عدو الأمة التاريخي.
وعليه ، فإننا نتقدم من حضرتكم بصفتكم ممثلا للمجتمع، و خصما شريفا في الدعوى، بالملاحظات التالية:
(أ) إن مسار الدعوى و إجراءاتها لم يتضمن إحاطة للملف بكافة جوانبه الواقعية و القانونية. إذ أن الملف المذكور لا يمكن إخراجه من سياقه التاريخي والواقعي و تسلسل الأحداث. فالفعل الحاصل وما نتج عنه ليس سوى رد فعل على اجتياح العدو "الإسرائيلي" للبنان باستدعاء من بشير الجميل و أزلامه ومعاونته على احتلال معظم أراضي لبنان وعاصمته وتدمير اقتصاده وبناه التحتية وقتل الآلاف من أبناء شعبه بطرق مختلفة وفقدان الآلاف منهم. فمقاربة الملف كأنه جريمة قتل عادية اقترفت بحق أحد الرسميين بالرغم من عدم تمتع بشير الجميل بالصفة الرسمية حين وقوع الفعل أمر في غاية من الخطورة، ويشكل طعنا للعدالة والإنصاف في صميمهما.
(ب) إن تعامل بشير الجميل وأعوانه مع العدو "الإسرائيلي" ومعاونتهم على فوز قواته واحتلال لبنان أمر ثابت وليس موضع نقاش من أحد حتى من قبل المتعاملين معه. وهو ثابت أيضا بالعديد من الكتابات لا سيما كتاب جورج فريحة أبرز مستشاري بشير الجميل "مع بشير ذكريات ومذكرات". و هذه الأفعال وما ارتكب بحق لبنان ما هي إلا جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بمرور الزمن.
(ج) إن إجراءات المحاكمة كما هو ظاهر تمت بشكل منقوص سواء لناحية تبيان الوقائع التي تحيط بالملف من كافة جوانبه ليتم تكوين قناعة حقيقية حوله.
و قد ختمت المحاكمة على هذا الأساس و تم تعيين تاريخ 20/10/2017 موعدا للنطق بالحكم ، وذلك بعد صرف النظر عن الاستماع للائحة شهود الحق العام و دون عناء البحث و التمحيص في الوقائع بشكل يؤدي إلى تبيان الحقيقة و إنصاف الجميع .
(د) إن النيابة العامة بصفتها طرفا في الدعوى فهي تمثل المجمتع بأكمله وهدفها ليس فقط معاقبة الجاني، بل كشف الحقيقة.
وكون النيابة العامة تشكل خصما شريفا فيقع على عاتقها السعي إلى تطبيق القانون بشكل صحيح خاصة إذا كان ثمة أدلة تثبت عدم صحة ما استند إليه في طلب الإدانة. إضافة إلى أنه يقع على عاتق المجلس العدلي بناء على طلب النيابة العامة أو عفوا أن يجري تحقيقا في الدعوى.
وبما أن حبيب الشرتوني وفي كل التحقيقات المجراة معه أكد على انه أقدم على فعلته بدافع سياسي خاصة أن ثمة أدلة لم تقاربها النيابة العامة ولا المجلس العدلي خاصة عن اجتياح العدو "الإسرائيلي" ونتائجه و أسبابه، والتي أدت وفقا لتخطيط بشير الجميل إلى انتخابه رئيسا للجمهورية تحت مدافع دبابات الاحتلال بحيث يكون لبنان بواسطته ممرا وأداة للقضاء على المقاومة والقضية الفلسطينية. إضافة إلى عدم شمول الملف كما أسلفنا أية إشارة إلى ما أصاب العديد من اللبنانيين من مجازر و أضرار لا تعد ولا تحصى بنتيجة مساعدة العدو "الإسرائيلي" من قبل بشير الجميل وأعوانه على احتلال لبنان، فضلا عن انتهاك فاضح لكرامة كل الشعب اللبناني.
وهذه مسألة جوهرية لا بد من وضعها قيد المناقشة أمام المجلس العدلي، والبحث في الدوافع التي أدت إلى ارتكاب الفعل لا سيما و أن الدافع إليها هو دافع وطني و سياسي شريف يهدف إلى حماية المجتمع من تداعيات انحلال السلطة و تقويض المجتمع بأكمله وانهيار الدولة وإمساك العدو "الإسرائيلي" بكافة مفاصل البلاد.
(هـ) إضافة إلى كل ما تقدم فإنه يقع على عاتق النيابة العامة والمجلس العدلي إثارة مسألة تتعلق بالانتظام العام خاصة أن الفعل الحاصل هو من الجرائم السياسية التي ترتدي طابعا عاما مجرداً من أية غايات أو منافع شخصية.
فقانون العفو الصادر بتاريخ 26/08/1991 أكد في الفقرة (ج) من المادة رقم 2 بأنه:
يتوجب على المرجع القضائي المختص الواضع يده على الدعوى دون أن يستثني المجلس العدلي بأن يبت بطبيعة الجرم، فإذا كان القتل بدافع سياسي فيتوجب عليه وقف الملاحقة عملا بالمادة المذكورة التي تعفي عفوا كاملا عن الجرائم السياسية.
فبمجرد ورود عبارة في النص بأن "المرجع الواضع يده على الدعوى" أكبر دليل على شموله الملفات المحالة على المجلس العدلي، و التي ما زالت عالقة أمامه. فلا يمكن الحديث عن ملف عالق إذا كان مشمولا بالعفو عامة.
(و) إن ملف المحاكمة بكامله يتمحور حول حقبة العام 1982 واجتياح العدو "الإسرائيلي" للبنان في تلك الفترة و تنصيب بشير الجميل رئيسا للجمهورية اللبنانية تحت وطأة الحراب "الإسرائيلية" بنتيجة تقويض مؤسسات الدولة اللبنانية بكافة اشكالها.
إن فعل التعامل مع العدو وما نتج عنه ما زال حتى يومنا هذا، موضع إدانة واستهجان واستنكار من معظم الشعب اللبناني، إلا الذين ساعدوا ذلك العدو على احتلال لبنان وما زالوا حتى يومنا هذا يفاخرون بعمالتهم وأفعالهم الدنيئة.
وعليه،
فإن أي حكم يصدر بإدانة الفعل الحاصل يشكل إدانة لفعل المقاومة لصالح جرم العمالة بما لذلك من تداعيات خطيرة على صورة لبنان المقاوم و المقاومة التي قدمت آلاف الشهداء لتحرير لبنان من رجس هذا الاحتلال.
لذا، نطلب من حضرتكم اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة لا سيما وضع ما ورد في كتابنا هذا موضع التنفيذ قبل صدور حكم مفصلي في مسألة على مستوى عال من الحساسية يسلب المواطنين حقهم المقدس بالمقاومة المكفول دستوريا وقانونيا والمكرس في جميع الشرائع والمعاهدات الدولية، كون حق المقاومة هو أعلى مراتب الوطنية التي يبلغها الإنسان الحر المجرد من أنانيته ومنافعه الفردية.