زيارة رئيس أركان الجيش الإيراني محمد باقري إلى دمشق ولقاءاته مع المسؤولين السوريين، والتي ختمها بلقاء مع الرئيس بشار الأسد أثارت قلق القادة الصهاينة وشكلت محط اهتمام تعليقات المحللين والمعلقين والخبراء في وسائل الإعلام الصهيونية، لا سيما لناحية تأكيد باقري بأن «انتهاكات النظام الصهيوني في سورية في أي وقت يشاء غير مقبولة، وان التنسيق بين إيران وسورية سيبقى قائماً لمواجهة التهديد الصهيوني وما تبقى من جماعات مسلحة على الأرض السورية ولن يحول دون هذا التنسيق أي جهة إقليمية ودولية». وكذلك لناحية تشديد الرئيس الأسد أن التحالف الوثيق بين سورية وإيران هو الذي أجهض المخططات التي استهدفت البلدين، وان إيران شريك أساسي في ما حققه الجيش السوري من انتصارات.
على أن ما يرفع منسوب القلق الصهيوني من زيارة باقري والتصريحات التي رافقتها بكونها تأتي لتؤكد على تكريس الحقائق التالية:
الحقيقة الاولى: ان متانة التحالف السوري الإيراني تعززت عما كانت عليه قبل اندلاع الحرب الإرهابية الاستعمارية على سورية، ما يعني سقوطاً مدوياً للمخطط الأميركي الصهيوني الذي استهدف إضعاف هذا التحالف وفك عرى العلاقات السورية الإيرانية في سياق خطة لإسقاط سورية وعزل إيران وضرب المقاومة في لبنان وفلسطين وتصفية قضيتها.
الحقيقة الثانية: انتصار حلف المقاومة في دير الزور الذي شكل باعتراف جميع الدول والمراقبين هزيمة لآخر الرهانات الأميركية على فرض مشروع التقسيم ومنع التواصل بين العراق وسورية واستطراداً منع التواصل الجغرافي بين إيران وباقي أطراف حلف المقاومة، وكان لافتاً أن زيارة باقري جاءت لتؤكد هذه الحقيقة. حقيقة إسقاط هذا المشروع وانتصار حلف المقاومة في دير الزور المتزامن أيضاً مع انتصار العراق المزدوج، على تنظيم داعش وعلى خطة رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني لفرض استقلال الإقليم عن العراق وتحويله قاعدة أميركية صهيونية لمواصلة حرب الاستنزاف والتآمر ضد دول محور المقاومة بديلاً عن ورقة داعش الذي أصبح يلفظ أنفاسه الأخيرة في العراق وسورية.
الحقيقة الثالثة: فهي أن انتصار الحلف السوري الإيراني يشكل تعزيزاً لجبهة حلف المقاومة في مواجهة الاعتداءات والعربدة الصهيونية على الأرض السورية واستخدام سماء لبنان للقيام بذلك، فالزيارة ركّزت على اتخاذ البلدين قراراً حازماً في التصدّي لهذه الاعتداءات وأن هذا القرار جرى تنفيذه عشية زيارة باقري عبر تصدّي الصواريخ السورية للطائرات الصهيونية أثناء تحليقها في الأجواء اللبنانية، وهو ما يقود الى وضع حد لحرية حركة الطائرات الصهيونية في الأجواء اللبنانية واستخدامها للاعتداء على الأراضي السورية، كلما أرادت ذلك اعتقاداً منها أن الصواريخ السورية لن تستهدفها وهي في الأجواء اللبنانية. طبعاً هذا التصدي كرّس حقيقة أن جبهة حلف المقاومة باتت واحدة وأن القرار قد اتخذ بالتصدي لأي عدوان صهيوني على أي طرف من أطرافه وأن كيان العدو إذا تجرأ على شن حرب على طرف من أطراف حلف المقاومة فسيكون عليه مواجهة رد من الجبهات كلها.
الحقيقة الرابعة: أن الحرب الإرهابية على سورية أدت إلى نتائج معاكسة تماماً لما خططت له واشنطن وتل ابيب، فبدلاً من إعادة تشكيل خريطة المنطقة لمصلحة تعويم وتكريس مشروع الهيمنة الأميركية على المنطقة وتسيد كيان العدو الصهيوني عليها، نشأت بيئة استراتيجية جديدة في مصلحة محور المقاومة تحاصر كيان العدو الصهيوني، فلأول مرة منذ عام 1948 يصبح الكيان الصهيوني المحتل في مواجهة جبهة مقاومة نجحت في إلحاق الهزائم بجيشه وتحطيم اسطورته، وكذلك في الحاق الهزيمة بسلاح الاحتياط الأميركي الصهيوني وهو جيوش الإرهابيين الذين تم حشدهم بمئات الآلاف من شتى أنحاء العالم. واليوم يجد كيان العدو ومعه حليفته أميركا أمام حقيقة تنامي قوة حلف المقاومة المرتكز إلى الحلف السوري الإيراني الذي أصبح أقوى وأمتن من أي مرحلة سابقة.
من هنا يمكن فهم أسباب تزايد القلق الصهيوني من زيارة باقري ونتائجها التي شكلت صفعة قوية لمخططات أميركا وكيان الاحتلال في آن معاً ودليلاً لا يرقى إليه الشك على فشل أهداف الحرب الإرهابية الاستعمارية وانتصار حلف المقاومة وتحوله قوة صاعدة في المنطقة تفرض توازنات جديدة وتعيد رسم مشهد الصراع في غير مصلحة المشروع الأميركي الصهيوني إقليمياً ودولياً على حد سواء.