تُعتبر ثلاثيّة الجيش والشعب والمقاومة، أحد مصادر وإفرازات الوعي عند اللبنانيين. تراكم التجارب والخبرات والتطوّر الفكري والثقافي وتوحّد المشاعر في ظروف المواجهات مع العدو «الإسرائيلي» بين المكوّنات الثلاثة أفضى إلى هذه النتيجة المتقدّمة التي خالفت المحاولات السابقة التي كانت فيها المقاومة، بمعزل عن تعدّد عناوينها الحزبية أو الطائفية، مقطوعة الصلة مع الدولة أو المجتمع. الميزة التي خرج بها حزب الله في تجربته الفريدة أنّه أبقى على مرجعية الدولة والسلطات الأمنية وعلى رأسها الجيش كمرجعية وجيهة لها كينونتها الوطنية واعتباريتها الرمزية والواقعية في حفظ الأمن ورعاية المواطنين، ولذلك لم يسعَ حزب الله طيلة عمله المقاوم إلى تهشيم سلطة الدولة أو التعريض بالمؤسسات الأمنية أو تهميش المؤسسة العسكرية، بل كان على الدوام يضع باعتباره وفي ذهنه موقعية الدولة وحضورها ودورها المتعالي، سواء عبر مواقفه المعلنة أم من خلال التنسيق والتفاهم. ويمكن أن نسجّل لحزب الله تواضعه السياسي والأخلاقي وعدم وقوعه في الفردانية والأنانية بل مراعاة قيمة الدولة وسلطة الجيش، التي لظروف ذاتية وموضوعية لا يمكنها أن تصل إلى ما يستطيع حزب الله أن يصل إليه في مستويات وحدود الصراع مع العدو «الإسرائيلي». وقد تجنّب الحزب أي صدام ومواجهة مع الجيش ، بل سعى إلى رفع استعداداته العسكرية ورفده بكل عناصر الثقة النفسيّة، وقرّبه من الناس، خصوصاً في الجنوب، حيث لم تكن لديهم صلة وثقة وعلاقة معه في العهود السابقة، إذ كان الجيش لخدمة نظام طائفي أقلوي. الأمر الآخر الذي تكرّس في هذه الثلاثية مرتبط بالشعب. فأهداف المقاومة ليست سوى أهداف الشعب وتطلّعاته بالحرية والكرامة والقوة. فلم يكن هناك من أهداف للمقاومة مفصولة عن أهداف الشعب، ولا مصالح مرتبطة بحسابات خارجية على حساب الشعب. فالسيادة هي للبنانيين، والتحرر من نير الاحتلال هو للبنانيين، والاستقلال والمنعة وكل ما يترتب من استحقاقات تنموية واستقرار داخلي وأمن وسلام هي لكل اللبنانيين. إذاً لا تضحيات من أجل مكاسب خاصة ومناصب وتسلّط وغلبة، بل صرف كل هذه الدماء والتضحيات من أجل الشعب كله على اختلاف مشاربه وألوانه الدينية والثقافية والسياسية.
فالمقاومة في هذا السياق لا تتعارض مع سلطة الجيش ولا مع طموحات المجتمع، بل تتقاسم المسؤولية وتحمّل الأعباء في سبيل الوطن الذي لا طريق ليتم الحفاظ على استقلاله ووجوده وبقائه عبر الاغتراب والحيادية والانطواء والانعزالية والنأي بالنفس التي سار عليها عدد من السياسيين اللبنانيين، ولم يكن من وراء ذلك إلا الإحباط والعدمية وهيمنة قوى الاحتلال على واقعنا بكل تفاصيله.
على هذا الأساس المعرفي والوطني يمكن اعتبار هذه الثلاثية ابتكاراً فائق الجودة يعزّز قوة لبنان ويردع العدو الذي يجلس خائفاً يترقب من التطورات الجديدة في المنطقة. وإذا كان العدو «الإسرائيلي» يريد الاستعانة بالقوى الكبرى الاستعمارية لممارسة عدوان جديد، فإنّ من حقنا أن نبتدع الوسائل المضادة للدفاع عن أنفسنا، ولعل إطلاق الجيش السوري صاروخاً على الطائرات «الإسرائيلية» التي اعتادت أن تحلّق في سمائنا من دون أن تُصاب بخدش، تكشف عن رسالة قوية حول تطور عمل المقاومة في تشبيك الجبهات واشتراك عدد من دول المنطقة وشعوبها، فتتحرك كلها على إيقاع ثلاثيتنا لحماية أوطاننا من الإرهاب «الإسرائيلي» والمشاريع الأميركية التي تعمل على أساس فرّق تسد!
الصواريخ السورية تقول: في المعركة المقبلة سندخل إلى جانب الثلاثية المكرّسة، أي إلى جانب الجيش اللبناني والشعب اللبناني والمقاومة اللبنانية. لمَ لا، وقد وقف الشعب اللبناني إلى جانب الشعب السوري في محنته، وكذلك فعل الجيش اللبناني الذي بقي ينسّق مع الجيش السوري لحماية الحدود ومحاربة الإرهابيين، وأيضاً المقاومة التي روت بدماء أبطالها أرض سورية. سابقاً كان يُقال: إن لبنان وسورية جغرافيا واحدة، واليوم تتأكد هذه الحقيقة بالدماء الواحدة التي يمتزج فيها الدم اللبناني والسوري في مواجهة أعداء الأمة والإنسان!