ربما تكون الساحة اللبنانية الأكثر عرضة للاهتزاز والتفكك من باقي الساحات السياسية المجاورة، وربما هي الحقيقة الاكثر وضوحاً امام اللبنانيين منذ عقود. وهذا صحيح من دون شروح او استطرادات، لكن حتى تاريخ غير بعيد اصبح لبنان بما يبدو «ظاهراً» أحد اكثر الدول استقراراً وانسجاماً ما بين قوى التحالفات الجديدة والقوى القديمة والدولة الأكثر انفتاحاً على تقبل الآخر في البلاد في زمن التطرف الذي يحيط بالمنطقة. وهو الأمر الذي لم يكن متاحاً في اي مرحلة من المراحل منه الى الحال اليوم، رغم ان ما يعانيه ليس عادياً على الاصعدة والقطاعات كافة. فهو الذي يتحضر لمواجهة مخاطر التصعيد الأميركي باتجاه عقوبات اقتصادية على شريحة كبيرة من سكانه، يعاني ايضا من ازمة النزوح الهائل والعجز المتراكم للدين العام اضافة الى مخاطر يلعب الارهاب دوراً كبيراً في بوجوده بين خلايا نائمة في لبنان تخض أمن اللبنانيين عند كل مناسبة اكان في تخفيها داخل المخيمات الفلسطينية القديمة العهد او داخل المخيمات السورية الحديثة العهد.
السؤال حول الانسجام الحاصل بين القوى السياسية بأغلبيتها يأخذ نحو ما وراء الصيغة التي تحكم البلاد اليوم، وهي صيغة انتجت ما عجزت عنه عهود وحكومات ومراحل سابقة. أمس مثلاً إنجاز تاريخي بكل المقاييس. فقد أقرّ مجلس النواب الموازنة العامة للبلاد بعد افتقادها أكثر من 12 سنة متتالية. وهو الامر الذي يصعب ان تعهده دولة تعتبر مسألة انخراطها ضمن سلك التطوير والتحديث أمراً بديهياً لتبرير وجودها بالحساب السياسي والاقتصادي. الحدث الذي انجز بغالبية 61 صوتاً من أصل 73 نائباً حضر للتصويت تم بعد الاتفاق أخيراً بين الافرقاء الذين أمعنوا في إنهاك البلاد سنوات طويلة من دون ان يعني ذلك التوافق التام بين جميع الكتل.
إنجاز الموازنة العامة مؤشر جدي على متغيرات ضخمة في هذا البلد. فالنيات التي اجتمعت على اهداف من هذا النوع تتكفّل في الحديث عن مرحلة جديدة بكل المقاييس، هي المرحلة التي بدأت لحظة انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، حيث صار الحديث اصعب من جهة محاسبة العهد وأفعل لجهة وضع الامور في مسارها الصحيح والتوقف عند أسباب الفشل الذي شاب عهود ومحطات حكومة سابقة لا تتعلق فقط بأوضاع أمنية عاشتها مختلف البلدان في المنطقة من دون ان تتوقف عجلة الحياة السياسية والاقتصادية وأسس الحياة الديمقراطية بعد ان توقف اللبنانيون عن ممارسة حقهم بالاختيار منذ سنوات أيضاً. وها هو العراق أحد أبرز الامثلة على اجراء انتخابات رغم كل ظروف التي عاشها. وهو مثال حي يؤكد حجج اللبنانيين غير المبررة.
استطاع عهد ميشال عون لفت الأنظار والإجابة على تساؤلات اصبحت واضحة المعالم. فماذا يعني ان ينجز في عهد عون كلٌّ من قانون الانتخاب والموازنة العامة وتحرير الحدود اللبنانية من الارهاب؟ وماذا يعني ان تتعثر كل هذه الاستحقاقات في لحظات كانت الحاجة اليها اكبر مما هي عليه اليوم، نظراً للمخاطر التي عاشها لبنان، خصوصاً من الفترة الممتدة بين 2012 و2016؟
الحديث عن صيغة تعاون بين حزب الله والتيار الوطني الحر والتي أفضت الى انتخابه رئيساً للجمهورية وأرست معادلة توافقية أخذت تيار المستقبل نحو التيار الوطني الحر ايضاً في صيغة توافق غير مسبوقة، تعني ان المرحلة التي تفوق فيها حزب الله، كما يروق لخصومه الوصف في معرض تسمية العهد، «عهد ايران وحلفائها في لبنان» تعني أنه استطاع إنجاز أبرز الاستحقاقات المطلوبة وأكثرها دقة. وتعني ايضاً النجاح في تقريب اللبنانيين من بعضهم البعض ليأتي الطرح التالي على هذا الشكل: هل يعني ذلك أن عهد «حلفاء» حزب الله الإقليميين إذا تم التسليم جدلاً ان لبنان اليوم منتمٍ لتحالف من هذا القبيل، هو أكثر رغبة أو مسعى لإحلال الاستقرار في لبنان؟
تشير التجربة الى ان مرحلة صعود النفوذ الأميركي في لبنان هي أكثر المحطات انتكاسة في ما يتعلق بسير الدولة ومؤسساتها والتوقف عند اولوياتها حتى وصول الدولة للفراغ الرئاسي. وكل هذا في ذروة الحديث عن قيادة أميركية وعربية مباشرة للوضع في لبنان.
يصرّ حزب الله على تأكيد عدم تدخل إيران في تفاصيل لبنان المحلية وعلى أنها مجرد حليف استراتيجي للحزب لا تتعدّى مسألة قتال «اسرائيل» او الارهاب او الاثنين معاً، في وقت يرفض الطرف الآخر هذا التأكيد، معتبراً ان عهد حلفاء ايران في لبنان ما هو إلا عودة للفساد الذي شاب مرحلة الوصاية السورية، حسب تعبيرهم.
تشير التجربة الأكثر قرباً للارتباط بنتائج الحرب في سورية وحسابات الحلفاء وتقدّم موقف روسيا في سورية، وما أنشأته من هامش تقدّم لحلفائها في ساحات وجودهم، ولبنان واحد منها، الى ان هذا التقدم انعكس إيجاباً على لبنان الدولة والمؤسسات وأرخى ارتياحاً وقدرة على منح رئيس الجمهورية إمكانية فرض الاستحقاقات بقوة الأمر الواقع التي يحكمها التوافق فسارت الظروف على قاعدة عدم تأجيل الاولويات أكثر.
يتعرى خصوم عون عند مسألة التبعية وعند تحالفات لم تقم بأدنى واجباتها تجاه حلفائها بالحد الأدنى وتجاه لبنان.
عهد الرئيس ميشال عون عهد الإنجازات بامتياز والمقبل على خط ملف النزوح أكبر، كما تشير المعلومات!