لا تزال علامات الإستفهام تطرح حول ظهور وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان، في مدينة عين عيسى السورية في الريف الشمالي لمحافظة الرقة السورية، بعد تحريرها من عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي، إلى جانب منسق التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب بيرت ماكغورك، وسط معلومات عن دور ستقوم به الرياض في عملية إعادة إعمار العاصمة السابقة لـ"داعش"، بالإضافة إلى معلومات أخرى تتحدث عن أن الهدف هو إستعادة سعوديين كانوا يقاتلون في صفوف "داعش".
الدور السعودي الجديد في عملية دعم "قوات سوريا الديمقراطية"، الذي يتم الكشف عنه اليوم، ليس بالجديد، بل هو يعود إلى أشهر طويلة إلى الوراء، وهو ليس الدور الخليجي الوحيد، نظراً إلى أن دولة الإمارات العربية تقوم بالأمر نفسه، لكن السؤال هو حول الموقف التركي من هذا الأمر، خصوصاً أن أنقرة تعتبر هذه القوات منظمة إرهابية؟.
في هذا السياق، يوضح السياسي الكردي من عفرين ريزان حدو، في حديث لـ"النشرة"، أن الموضوع لا علاقة له باستعادة مقاتلين سعوديين، لأن هذا الأمر لا يتطلب حضور السبهان بشكل علني إلى المنطقة، بل كان من الممكن أن يقوم بالزيارة مسؤول أمني بشكل سري، ويشير إلى أن أغلب الإجتماعات، في الوقت الراهن، تأتي في سياق مرحلة ما بعد "داعش"، ويلفت إلى أهمية منطقة الرقة التي تضم عشائر عربية لها إمتداد في السعودية.
بالإضافة إلى ذلك، يرى حدو في هذه الزيارة نوعاً من "الزكزكة" للجانب التركي، لا سيما أن أنقرة تصنّف قوات "سوريا الديمقراطية" كمنظمة إرهابية، ويوضح أن السبهان يعتبر أعلى مسؤول عربي يزور المناطق التي تسيطر عليها هذه القوات.
على صعيد متصل، يوضح حدو أن العلاقة بين الرياض والأكراد لم تكن موجودة في السابق، لا بل أن بعض الفصائل المحسوبة على السعودية، مثل "جيش الإسلام"، كانت تهاجم الأكراد، لكن منذ الإنقلاب العسكري الفاشل الذي تعرضت له أنقرة تبدلت الأوضاع، نتيجة توتر العلاقات التركية-السعودية، ويبدو أن الرياض تبحث عن دور جديد لها في سوريا يكون أقوى من السابق.
ويلفت إلى أن أهمية هذه الزيارة تكمن بأنها تأتي بعد تلك التي قام بها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى روسيا، في مؤشر إلى أنها قد تكون تمت بضوء أخضر سعودي، لا سيما أن وجود الملك سلمان في موسكو تزامن مع وجود القائد العسكري لـ"وحدات حماية الشعب الكردي" سيبان حمو.
من جانبه، يوضح المتحدث باسم "قوات سوريا الديمقراطية" طلال سلو، في حديث لـ"النشرة"، أن هذه القوات لم تلتق السبهان في هذه الزيارة، مشيراً إلى أن الإجتماعات من المفترض أن تكون حصلت مع مجلس الرقة المدني، ويشدد على أن الأخير مجلس مستقل شُكل عن طريق الإنتخاب.
من جهة ثانية، يكشف سلو أن قوات "سوريا الديمقراطية" سوف تعمد لتسليم المدينة من الناحية المدنية إلى مجلس الرقة المحلي بعد تحريرها، في حين سيكون هناك قوات عسكرية للدفاع عنها وأخرى أمنية للحفاظ على أمنها، موضحاً أن الإعلان الرسمي عن تحرير الرقة سيتم اليوم من دوار النعيم أو الملعب البلدي.
في هذا الإطار، يوضح الكاتب والمحلل السياسي التركي سمير صالحة، في حديث لـ"النشرة"، أنه لغاية الآن لا موقف تركي رسمي من هذه الزيارة، لكن يشير إلى أن بعض وسائل الإعلام المقربة من الحكومة ركزت عليها، وتحدثت عن زيارة لمخيمات الإرهاب.
من وجهة نظر صالحة، بحال كانت زيارة السبهان في إطار تقديم المساعدات إلى أهالي الرقة لمساعدتهم على إعادة الأعمار فهي خطوة إيجابية مرحب بها، لكنه يلفت إلى أن ما قد يزعج أنقرة هو أنها حصلت مع المبعوث الأميركي الذي لا يحبه الأتراك، بسبب دوره في دعم حزب "الإتحاد الديمقراطي الكردي"، ويشير إلى نقطة بالغة الأهمية تكمن فيما إذا تم إعلام الحكومة السورية مسبقاً بهذه الزيارة أم لا، خصوصاً أن مثل هذه الخطوة أمر غير مألوف في الإستراتيجية السعودية.
ولا يعتبر صالحة أن الرياض أرادت من خلال هذه الخطوة إرسال رسائل معينة إلى أنقرة بشكل أو بآخر، لا سيما أن التركيز خلالها كان على محاولة الإتصال بالعشائر العربية، مشيراً إلى أنه إذا كان الهدف قطع الطريق على قوات "سوريا الديمقراطية" من خلال ذلك فإن أنقرة ترحب، ويضيف: "حتى الآن لا نعرف ما إذا كان هناك من إتصالات مع الجانب الكردي".
في المحصلة، لا يبدو أن القيادة التركية في وارد الدخول في سجال مع الجانب السعودي بسبب هذه الزيارة، لكن الأكيد أن علامات الإستفهام من الممكن أن توضع حولها، لا سيما بالنسبة إلى الدور السعودي الجديد في سوريا عبر قوات "سوريا الديمقراطية".