شكل اقرار الموازنة المعبر الأخير للانصراف الى الاستحقاق الانتخابي وحسم خياراته، خصوصا ان كل القوى تدرك ان الانتخابات المقبلة ستكون مفصلا اساسيا في رسم معالم لبنان في السنوات المقبلة.
وعلى مدى الايام الثلاثة الطويلة في مناقشة الموازنة ظهر جليّا ان الكتل النيابية تضع في أولى اهتماماتها الهاجس الانتخابي أكان من خلال الخطاب الشعبوي الذي غلب طابعه على الكثير من المداخلات والنقاشات او على صعيد الاسترسال في استدراج عروض الخدمات في المناطق.
ووفقا لما دار ويدور في الكواليس السياسية، فان الجميع او الاغلبية السياسية تنفست الصعداء بعد اقرار الموازنة آخر حلقة برنامج الانجازات للعهد والحكومة بكل ألوانها، في المرحلة الاولى التي تسبق الدخول في حلبة المنازلة الانتخابية الموعودة.
تفاهم للانتخابات
وحسب ما رصد من كواليس القوى السياسية الاساسية، فان تفاهماً قد حصل فعلاً للذهاب الى الانتخابات في موعدها في أيار، بغض النظر عما ستؤول اليه مفاوضات ربع الساعة الأخير حول الآلة التي ستعتمد في العملية الانتخابية.
وتقول المعلومات المتوافرة ان هذا التفاهم يرتكز على نقاط اساسية هي:
1- اجراء الانتخابات في موعدها وعدم تكرار او اللجوء الى اي تمديد جديد للمجلس النيابي أكان «تقنيا»، أم قصيراً، او متوسطاً.
2- عدم اجراء اي تعديل جوهري على قانون الانتخابات رغم شكوى البعض من «تعقيداته».
3- حسم آلية العملية الانتخابية في غضون الاسبوع المقبل او اسبوعين او ثلاثة.
وفي هذا المجال، يشير مصدر مطلع الى ان الاجتماع الذي كان مقرراً عقده للجنة المتابعة الوزارية برئاسة الرئيس الحريري الاسبوع الحالي، قد يعقد الاسبوع المقبل بهدف حسم التوجه بالنسبة للآلية، وخصوصاً موضوع البطاقة البيومترية.
ويضيف المصدر ان المؤشرات حتى الآن تدل على الذهاب الى الانتخابات بواسطة الهوية او جواز السفر لتعذر تأمين البطاقة الممغنطة. لكن هناك اخذ وردّ حول اعتماد حلّ جزئي هو ما اسماه وزير الداخلية نهاد المشنوق (بالخطة ب) اي باعتماد هذه البطاقة لمن يريد وفق احصاء غير دقيق يفيد بأن عدد المقترعين يصل على اساسها الى نصف مليون ناخب.
وحسب هذه المداولات حتى الآن، فان هناك صعوبة في اعتماد هذا الخيار.
لكن ما يثير بعض القلق، هو أن يطول الجدل حول هذا الموضوع، بحيث يمكن ان يشكل باباً لتأخير حسم الآلية لأكثر من أسابيع.
وفي كل الاحوال، فان فكرة ارجاء الانتخابات لشهرين او ثلاثة مستبعدة، بعد ان لمس المعنيون ان ذلك سيشكل انتكاسة، بل صدمة كبيرة ليست في مصلحة أحد، لا سيما مصداقية اهل الحكم. لذلك يقول مصدر بارز مكلف في احدى الكتل النيابية الكبرى متابعة ملف الانتخابات، ان الجميع وافقوا وأقروا مؤخراً بتثبيت موعد الانتخابات وعدم تحريكه تحت اي حجة او تبرير.
وفي هذا السياق ايضا، أكّد وزير الداخلية نهاد المشنوق أمس «إجراء الانتخابات في موعدها رغم الغبار السياسي الذي يدور حولها»، مشيرا الى ان «لا رغبة سياسية جدّية عند اي فريق لتأجيلها».
وفي المحصّلة، فان البلاد ستدخل في الاسابيع القليلة المقبلة في اجواء الانتخابات النيابية اكثر فأكثر، وان معالم التحالفات ستتبلور تدريجاً في المرحلة المقبلة، بعد ان تتكرس حتمية هذا الاستحقاق دون سواه.
التيار والقوات
ومع ان القوى والاطراف حريصة حتى الآن على عدم الدخول في الحديث عن هذه التحالفات، فان ما جرى ويجري يؤشر الى تحولات مهمة اخذت تتبلور مؤخراً، ومنها اتساع رقعة التباين والخلاف بين التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية، لا سيما من خلال المشهد التنافسي في تحضيرات وتوجهات كل منهما، اكان في المناطق او في المهجر او على الصعيد السياسي.
وفي هذا المجال، لفت مصدر مطلع الى ما حصل في جلسة الموازنة، ملاحظا ان التيار والمستقبل حافظا على الانسجام بينهما الى حد التعاون والتنسيق في مناقشة بنود مشروعها والتصويت عليها، لا بل ان الرئيس الحريري كان واضحاً في الاشادة بالتوافق ومسيرته منذ انتخاب الرئيس عون.
واضاف المصدر انه في محور آخر، بدا الخلاف صريحا بين التيار و«القوات» التي تمحور خطابها تحت قبة البرلمان حول انتقادات مباشرة لموقف رئيس التيار الوزير جبران باسيل الاخير من المصالحة في الجبل، وللتعيينات والتشكيلات الديبلوماسية والقضائية التي كانت فيها حصّة الاسد للعونيين، بالاضافة الى اختيارها الامتناع عن التصويت لمصلحة الموازنة بسبب معارضتها للبند التوافقي حول قطع الحساب لاسباب دستورية كما عبر نوابها.
وهذا الخلاف القواتي - العوني الذي ظهر سابقاً ايضا من خلال عدم التعاون والتنسيق بين الطرفين حول الترشيحات الانتخابية، يعزز الاعتقاد بان التحالف الانتخابي بينهما دونه صعوبات، وان تحقيق الحدّ الادنى منه هو في غير المتناول حتى الآن.
الوطني الحرّ مع حزب الله والمستقبل
وفي السؤال عن مصير تحالفهما، تتجنب مصادر الطرفين الكلام عن هذا الموضوع. وتقول انه من المبكر الحديث عن التحالفات لدى كل طرف من الاطراف السياسية وان كل شيء هو في اوانه.
لكن مصدراً نيابياً في التيار الوطني الحرّ يضيف ان التحالف الثابت حتى الان لنا هو مع حزب الله وتيار المستقبل، اما الاطراف الاخرى فالامور مرهونة بأوقاتها.
الثنائي الشيعي
وعلى محور آخر، يبرز ايضاً التحالف الثابت بين الثنائي الشيعي حركة «امل» وحزب الله، لكن لكل طرف منهما توجهه تجاه التحالف مع بعض القوى. لذلك يقول مصدر مطلع ان رسم التحالفات في بعض المناطق قد يكون متحرراً.
ويضيف ان الاجتماع الثلاثي الاخير بين الرئيسي ن بري والحريري والنائب جنبلاط يؤشر الى معالم تحالف انتخابي في الدوائر المشتركة، مع العلم ان آلية ترجمة هذا التحالف تحتاج الى تفاصيل اخرى لا يمكن ان تتبلور او تنجز قبل بداية العام الجديد.
تحضيرات الحريري
وفي خصوص المستقبل، علم ان الرئيس الحريري في صدد تنظيم حركته المتعلقة بالانتخابات في الاسابيع المقبلة، وان غربلة اسماء لائحته في بيروت قد بدأت في دائرة ضيقة جداً.
وحسب المعلومات، فان الحريري يأخذ بعين الاعتبار احداث تغيير وتبديل غير طفيف بالاسماء في الدائرة الثانية، بالاضافة الى احتمال ضم مرشح محسوب على جمعية المشاريع (الاحباش) بدلا من نائب الجماعة الاسلامية عماد الحوت اذ تتجه الجماعة الى خوض المعركة بتحالفات اخرى.
اما في الشمال، فلم يبدأ الحريري في ترتيب تحالفاته وجوجلة اسماء اللائحة التي سيشكلها، لكنه بطبيعة الحال يأخذ بعين الاعتبار خوض المعركة ضد الرئيس نجيب ميقاتي المنافس الأقوى والوزير أشرف ريفي، مع العلم ان ميقاتي وريفي لم يحسما امر تعاونهما الانتخابي حتى الآن وان كانت القنوات والتواصل بينهما مفتوحاً ومستمراً. لكن الاشارات في مدينة طرابلس تشير الى ان الرئيس ميقاتي متجه للتحالف مع فيصل كرامي. وفي عكار يأخذ الحريري بعين الاعتبار التعاون مع التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية في آن واحد، لكن حل احجية هذا التحالف يحتاج الى جهد ووقت وترتيب.
ويبدو ان التحالف بين الحريري وجنبلاط في الشوف هو شبه محسوم، وكذلك في البقاع الغربي الذي سيأخذ بعين الاعتبار امكانية التحالف مع التيار الوطني الحر وحركة «امل».
الوان المعارضة
وعلى صعيد المعارضة، لم تتبلور بعد كل تشكيلاتها، لكن الواضح حتى الان ان هناك محاور عديدة لها، منها المعارضة السنية التي يبرز على رأسها الرئيس ميقاتي واللواء ريفي، والمعارضة المسيحية التي تتركز في الشمال بقيادة النائب سليمان فرنجية وتيار المردة، مع العلم ان هذه المعارضة مرشحة للتوسع في الشمال لتشمل تحالف المردة والنائب بطرس حرب وحزب الكتائب والحزب السوري القومي الاجتماعي.
وفي محور المعارضة ايضاً محاولات جادة بدأ العمل عليها بين اطراف المجتمع المدني لتشكيل لوائح في بيروت ومناطق اخرى، غير ان تحالفات هذه الاطراف تحتاج اولاً الى توحيد اللوائح، والى تحديد علاقة التحالف مع احزاب وتيارات سياسية غير منضوية في نادي الاحزاب الكبرى.
ملف النازحين بعهدة عون
وعلى صعيد آخر، توقفت مصادر سياسية امام ما اعلنه الرئيس الحريري في مجلس النواب عن خطة تعدها الحكومة بشأن قضية النازحين، مشيرة الى ان كلامه جاء بعد ايام قليلة من اجتماع رئيس الجمهورية مع سفراء الدول الكبرى لبحث هذه القضية.
ووفقاً للمعلومات المتوافرة، فانه يجري البحث في سبيل تجاوز الخلاف حول التواصل مع الحكومة السورية، وان هناك اقتراحات وصيغاً تدرس، وتنطلق من ان يرعى رئيس الجمهورية هذا الملف بشكل لا يحرج الرئيس الحريري، ويضمن فتح الباب جديا امام كيفية رسم عودة النازحين الى سوريا.