بعد ايام يدخل عهد الرئيس ميشال عون عامه الثاني وقد كثرت التحليلات والتعليقات حول انجازات العام الأول واخفاقاته.
كارهون لا يرون الا السلبيات ومنتفعون لا يرون سوى الايجابيات.
ظالمون يحملون العهد في عامه الأول تراكمات الأزمات والفشل على مدى عمر الجمهورية لا بل عمر الدولة ومتملقون لا يهمهم ابراز الحقيقة بل ما يفيدهم منها.
الحقيقة هي أن الرئيس الخارج من رحم الشرعية الشعبية ليس نبياً معصوماً ولا هو رجل الخوارق الطبيعية. انه رجل نضالات عنيدة حمّله الناس احلامهم ومنحوه ثقتهم وهم مقتنعون بأنه قادر على انجاز ما لم يستطعه الآخرون.
ختام السنة الأولى من عهد الرئيس هو مناسبة للتذكر بانتظارات الناس، لكنه أيضاَ مناسبة للبنانيين أحزاباً وأفراداً ليسألوا أنفسهم هل كان الوضع قبل وصول العماد عون أفضل حالاً؟
وماذا فعل السياسيون والأحزاب ورجال الطوائف والأديان والاقتصاد والأعمال لملاقاة الرجل الذي تعهد ببناء دولة الحق والقانون؟
ختام السنة الأولى من عهد الرئيس مناسبة لسؤال الراجمين واللاعنين عن بديل قدموه بالأفكار والأداء علماً بأنهم ومن دون استثناء مارسوا السلطة وشاركوا في صنع أزماتها.
كلهم زايدوا في رفض الارهاب لكن واحداً تجرّأ على أخذ القرار.
كلهم نظّروا لكن رئيساً واحداً واجه وأمّن للجيش مستلزمات المعركة فانتصر لبنان.
كلهم بالغوا في التحذير من مخاطر النزوح لكن رئيساً واحداً تجرأ على اقتراح حلول العودة بلا عنصرية واضعاً الدول الكبرى والصغرى ومعها الدولة السورية امام مسؤوليتها.
لا يصح الكلام عن السنة الأولى من عمر العهد من دون التوقف جيداً عند خارطة الانتظام التي رسمها ميشال عون. انتظام متعدد الركائز تحتاجه الدولة المتهالكة لتستعيد الحياة. انتظام الأمن بدحر الارهاب، انتظام التشريع بقانون جديد للانتخابات، انتظام القضاء بتشكيلات جديدة، انتظام الدبلوماسية بتعيينات في وزارة الخارجية اعطت وزيرها قدرة اكبر على صون مصالح لبنان وربطه بالمنتشرين. وأخيراً لا آخراً، انتظام المالية العامة باقرار الموازنة العامة والعودة الى سقف القوانين والدستور في انفاق المال العام.
لا يغيب عن البال مطلقاً مخاض ولادة قانون الانتخابات وتخطي الدستور بعدم اجراء الفرعية منها، لكن الأمل معقود على أيار ليأتي بوجوه جديدة وبرامج جديدة.
كما لا يغيب عن البال تجاوز الدستور في تعليق قطع الحساب ولكن المسؤولية في ذلك تراكمية يشارك فيها الذين تداولوا السلطة منذ أكثر من خمس عشرة سنة، والأمل هنا معقود على الرئيس ليعيد في الوقت المناسب ضبط عقارب السياسة على توقيت الدستور في قطع الحساب فتتم المحاسبة وينتظم الانفاق ويتوقف زمن تصفير العداد وتنتهي تسويات "عفى الله عما مضى".
أما التشكيلات والتعيينات القضائية منها والدبلوماسية أوالادارية فان الحكم عليها سيكون بمقدار نجاح المعينين أو فشلهم لا بمعيار المحاصصات والاشكالات التي رافقت تعيينهم.
وفي العام الرئاسي الأول تقدم اتفاق الطائف ومعه الحوار الاقتصادي الاجتماعي خطوة الى الأمام بتشكيلة مكتملة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي تضم كفايات علمية ومهنية من نساء ورجال نجحوا في ميادين عملهم، فاذا اثبتوا جدارتهم في موقع المسؤولية سيفرضون أنفسهم شركاء فعليّين في صنع القرار الاقتصادي والاجتماعي وينتقلون من مرتبة الاستشارة غير الملزمة الى موقع ضابط الايقاع بين أطراف الانتاج والمساهمة في بلورة افكار ومشاريع تعوض النقص الناتج عن غياب وزارة التصميم العام.
ليس من المنطق ولا الموضوعية تجاهل الأزمات والاخفاقات في السنة الأولى خصوصاً اذا ما قيست بانتظار الناس وهم على حق في أن يدحر العهد جحافل الفساد ويفرض العدالة وسلطة القانون ويعطي الناس ما لهم من حقوق على الدولة في تأمين الماء والكهرباء والتعليم والدواء ومعالجة أزمات النفايات وازدحام السير.
لكنه ليس من المنطق ولا الموضوعية أيضاً تجاهل الانجازات وبعضها تأسيسي بامتياز والاكتفاء من باب الحسد والأحقاد برؤية النصف الفارغ من الكوب والامعان في بخس الناس أشيائها. الموضوعية تقتضي أيضاً أن نحكم بواقعية فبناء الدولة وتطور المجتمع مسؤولية وطنية يتشارك فيها جميع الناس من مؤسسات تربوية الى مؤسسات حزبية مروراً بالموظفين في ادارات الدولة والمؤتمنين على تنفيذ القوانين. لا يبنى وطن بقدرة انسان واحد ولا يفيد الاكتفاء بلعن الظلمة فاذا نجحنا في اضاءة المصابيح سنحيا جميعاً في النور. والى ذلك اليوم نشارك الرئيس في اضاءة الشمعة الثانية من عهده وننوه بانتظام عمل السلطة التنفيذية بفعل التعاون المستمر بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ونتطلع الى انتخاب مجلس نيابي جديد ينبثق من ارادة الناس ويعمل بوحي منها.