في الساعات الماضية، برزت حملة غير مبررة على البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بسبب المواقف التي عبّر عنها خلال جولته في الولايات المتحدة، لناحية تأكيده رفض توطين النازحين الفلسطينيين والسوريين في لبنان، "إذا كان في نية المجتمع الدولي القيام بهذا الأمر"، مع العلم أن هذه المواقف لا تنفصل عن ما يعبّر عنه أغلب المسؤوليين اللبنانيين، سواء كانوا ينتمون إلى قوى الثامن أو الرابع عشر من آذار، والدليل ما كشف عنه مؤخراً وزير الإقتصاد والتجارة رائد خوري، خلال مؤتمر صحافي، بالنسبة إلى تداعيات النزوح على الأوضاع المحلية من مختلف المجالات.
على المستوى اللبناني الرسمي والكنسي، أكثر ما هو مستغرب كان الموقف الذي صدر عن رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذوكس، المطران عطا الله حنا، لناحية إعتباره أن تصريحات البطريرك الراعي "لا تمثلنا كمسيحيين عرب ومشرقيين"، مضيفاً: "أعتقد أن هذه التصريحات تسيء للمسيحيين العرب الوطنيين المنتمين لفلسطين والأمة والعربية والمدافعين عن القضايا العادلة، ولا تمثل القيم المسيحية على الإطلاق".
وفي حين تستغرب مصادر سياسية، عبر "النشرة"، الهجوم على البطريرك الماروني، إنطلاقاً من مواقفه الرافضة لأي توطين في لبنان، تشدد على أن هناك شبه إجماع على هذه النظرة من قبل أغلب اللبنانيين، وتؤكد بأن البطريرك الراعي لم يطلق أي موقف يستدعي الرد عليه، فالجميع يعلم بأن هناك تداعيات إقتصادية وإجتماعية وأمنية وسياسية، ناجمة عن أزمة النزوح، لم يعد لبنان قادراً على تحملها، وبالتالي يجب دعمه لأن دعوته إلى البحث عن حل تصب في خدمة النازحيين السوريين واللاجئين الفلسطينيين أيضاً.
وتشير المصادر نفسها إلى أن موقف البطريرك الراعي من هذه القضية وطني بامتياز وإنساني إيضاً، لأن الحل الأمثل بالنسبة إلى النازحين هو بعودتهم إلى بلادهم، لا البقاء مشردين في دولة ثانية، وتضيف: "لا يمكن تجاهل ما قدمه لبنان على هذا الصعيد، مع العلم أن ما يُسمى بالمجتمع الدولي لم يقدم أي شيء يذكر، والمساعدات التي وعد بها لبنان لم يصل منها إلا القليل".
من جانبه، ينطلق النائب البطريركي العام المطران سمير مظلوم، في حديث لـ"النشرة"، من ضرورة السؤال عن الأسباب والجهات التي تدفع بعض الأشخاص إلى الهجوم على البطريرك الراعي، لافتاً إلى أن البعض يستخدم الإرهاب الفكري لمنع المواطنين من التعبير عن مواقفهم، ويضيف: "لنعتبر أن البطريرك الراعي مجرد مواطن فقط، فهو له الحق في إعطاء رأيه"، قائلاً: "لا أعرف ما إذا كان من يهاجمونه يقومون بذلك من غيرتهم على النازحين أو لأسباب أخرى".
على صعيد متصل، يستغرب المطران مظلوم ما صدر عن المطران حنا، بالرغم من تأكيده على إحترامه له ولجهاده ولما يقوم به للدفاع عن القضية الفلسطينية، ويشدد على أن البطريرك الراعي لم يهاجم القضية الفلسطينية أو الفلسطينيين بأي شكل من الأشكال، كما أنه لا يمكن تجاهل ما قدمته الكنيسة المارونية لهذه القضية، بالرغم من أن لبنان مر بمرحلة تاريخية أساء فيها بعض الفلسطنيين لهذا الوطن، حيث كانوا يريدون أن يكون وطناً بديلا لهم.
ويشدد المطران مظلوم على أن مواقف البطريرك الماروني لا تدعو إلى الكراهية ولا تحرض على الوجود السوري أو الفلسطيني، بل على العكس من ذلك هي تنطلق من إطار إنساني يريد معالجة أزمتهم من جهة، وآخر وطني يتعلق بعدم قدرة لبنان على تحمل هذا العبء إلى أبد الآبدين، خصوصاً أن بعض الدول الغربية تعمل لتوطينهم، الأمر الذي لا يمكن القبول به.
على الرغم من ذلك، يشدّد المطران مظلوم على أن مواقف البطريرك الراعي واضحة، ويشير إلى أنه في حال كان هناك أي كلمة في خطاب ما غير واضحة يمكن توضيحها، لكن ذلك لا يجب أن يدفع البعض إلى نسيان كل تاريخ الكنيسة، لأن الإنسان يجب أن يكون عادلاً أولاً وأخيراً.
في المحصلة، تدفع هذه القضية إلى السؤال عن أسباب الهجوم على البطريرك الراعي في هذه المرحلة المصيرية، على مستوى لبنان والمنطقة، خصوصاً أن تداعيات النزوح على الأوضاع المحلية حقيقة لا يمكن لأي عاقل تجاهلها.