في عهد الرئيس بشارة الخوري، كان هناك السلطان سليم، لم يكن من أسرة سلاطين العثمانيين، بل كان شقيق رئيس الجمهورية، ويعود لقبه الى سلطته وتسلطه على مفاصل الدولة، وكبار الموظفين فيها، ويلجأ المحازبون، وغير المحازبين، الذين لديهم مشاكل قضائية او ادارية لحلها عبره.
يستعيد المراقبون الكثير من القصص حول تدخل "السلطان" لدى الدوائر لمصلحة بعض الأشخاص ظالما كان او مظلوما، ويروي هؤلاء انه في احدى المرّات حصل احد المدّعين في المحكمة لدى قاض من قضاة الدولة، على بطاقة توصية من رئيس الجمهورية وقتذاك، كما حصل المدّعى عليه من بطاقة توصية اخرى من شقيق الرئيس الملقب "بالسلطان". وفي اول جلسة محاكمة، رفع القاضي بطاقتي التوصية، متوجها الى الرجلين قائلا "حل مشكلتكم عند اصحاب بطاقتي التوصية وليس عندي"، وعلى الأثر تم نقل القاضي الى منطقة نائية مما دفعه الى الاستقالة من منصبه.
ويقول قاض متقاعد لا يزال يعيش من راتب تقاعده فقط، انه خلال فترة وجوده في السلك القضائي كانت التوصيات تساوي اكثر من ثمانين في المئة من القضايا المحالة امامه.
ويعتقد القاضي الذي طلب عدم ذكر اسمه، ان أغلبية اللبنانيين الذين يلجأون الى القضاء يفتشون قبل كل شيء عن المرجعيّة التي يمكن ان تتدخّل لدى القاضي لكسب الدعوى، بغض النظر عن اي مسوغ قانوني آخر.
ويتابع بأن هذه العقلية ما زالت سائدة حتى اليوم، وهي اساس الفساد في كل دوائر الدولة، وان الإصلاح صعب جدا، طالما ان هذه الذهنية قائمة.
ويرى هذا القاضي أنّ ما عزّز هذا التوجه هو سلوك الطبقات التي توالت على حكم البلاد منذ نشوء دولة لبنان الكبير، وفي ظل التوظيف الطائفي، والمحاصصة السياسية، وان انشاء وزارة دولة لمكافحة الفساد، ليس سوى عمليّة تجميل لم تؤدِّ الى التخفيف من الفساد ولا العمل على ازالته.
ويعترف انه في بداية عهد الرئيس الراحل فؤاد شهاب كان هناك محاولة خجولة لمعالجة الفساد، وقيام مؤسسات صالحة في هذا الاتجاه، لكن المكتب الثاني ورجال العهد في حينه اخذوا دور السياسيين، وعطّلوا عمل هذه المؤسسات، ومارسوا الفساد باسم رئيس أراد القضاء على "آكلي الجبنة".
وتقول مصادر نيابية انه في موازاة الفساد الاداري نخر الفساد السياسي أموال الدولة، حيث انه من الصعب جدا ان يمر مشروع او مناقصة، او تلزيم، الا وتفوح منهما روائح السرقة، بالرغم من وجود قانون اسمه الإثراء غير المشروع، والذي أقر وبحسب هذه المصادر بطريقة من المستحيل تطبيقه، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تُحصى وتُعد.
وسألت المصادر اذا كانت بعض القوى السياسية الممثلة في الحكومة اليوم تدعي ان وجودها هو لتقويم الاعوجاج، فان سيرتها الذاتية خلال الحرب اللبنانيّة، حيث كانت الآمرة والناهية في رقاب اللبنانيين، لا تسمح لها بمثل هذا الادعاء، وان كل ما في الامر انها تحاول الظهور بمظهر المصلح على أبواب الانتخابات النيابية.
ورأت المصادر ان ما شاهدناه في الفترة الاخيرة وخلال اعادة محاكمة حبيب الشرتوني ونبيل العلم، يؤكد ان ذيول الحرب التي دامت عشرات السنين، وحصدت مئات الآلاف من الضحايا وملايين الدولارات من الخسائر والدمار، ما زالت قائمة، وان التسويات التي اعادت أمراء هذه الحرب الى الحكم ثبّتت نظاما طائفيا لا يترك طيف امل باصلاح لبنان على كل المستويات.
وسألت المصادر ماذا يمكن لرئيس جمهورية رفع شعار التغيير والإصلاح ان يفعل في ظل صلاحيات محدودة جدا، اضافة الى ان سلوك القيادات السياسية، ومنها قيادة تياره السياسي، تفعل عكس الشعار المرفوع؟.
وختمت المصادر مشيرة الى ان حكم الوصاية السوريّة على لبنان قضى على التركيبة السياسية التي كانت قائمة، وعزز الفساد والرشوة، لكنه أنتج وضعا معقدا، وأنتج قوة رديفة للدولة اللبنانية، عجزت حتى الان عن القيام بأي حركة اصلاحية داخلية، لكنها جعلت من لبنان غير الرسمي قوّة إقليمية لا يعرف اللبنانيون الى اين ستؤدي، وماذا ستكون نتائجها على المستقبل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والامني...