تواصل تركيا ارسال التعزيزات العسكرية الى المناطق الحدودية مع سوريا منذ أسابيع باطار استعداداتها لتنفيذ الاتفاق الايراني–الروسي–التركي بخصوص ضم المحافظة الى مناطق "خفض التصعيد"، وايجاد حل مناسب لـ"البؤرة الأمنية" هناك من خلال السعي الى تفكيك "جبهة النصرة" ومواجهة الرافضين بالقوة.
وبعد نحو اسبوعين على تنفيذ البند الأول من خطة وضعتها السلطات التركية، وهي خطة لا تزال غير واضحة تماما حتى لشريكي أنقرة، الروسي والايراني، لجهة انتشار وحدات تركية وتثبيت نقاط عسكرية في جبل بركات وعلى معظم خطوط التماس مع القوات الكردية في ريف حلب الشمالي، لا يزال المعنيون يترقبون موعد تنفيذ البند الثاني والذي تشير المعلومات الى انّه يقضي بتثبيت نقاط عسكرية بديلة عن النقاط التي كان يستلمها الجيش السوري، وبالتحديد في مطاري تفتناز وأبو الضهور في ريف ادلب كما في الفوج 46 في ريف حلب الغربي، على ان تتحول هذه النقاط الى ما يشبه قواعد عسكرية ثابتة في شمال سوريا قد يبلغ عددها نحو 8.
وينتقد مصدر عسكري سوري معارض "البطء الشديد" في الخطوات التي تتخذها أنقرة، مذكرا بأنّها وخلال 24 ساعة دخلت جرابلس، لافتا الى ان السيناريو الذي تعمل على أساسه في المرحلة الراهنة مخالف تماما لسيناريو "درع الفرات" في شهر آب من العام 2016. ويشير المصدر الى انّه وحتى الساعة لم يدخل الجيش التركي الى العمق الادلبي، باعتبار ان كل النقاط التي دخل اليها هذا الشهر تنحصر في ريف حلب بمواجهة مناطق الأكراد.
ومع ترقّب تنفيذ البند الثاني من الخطّة، والذي، من المتوقع ألاّ يتأخر أكثر من مطلع الشهر المقبل، تتجه الأنظار الى فحوى البند الثالث، بعد تعميم "هيئة تحرير الشام" التي تشكل "جبهة النصرة" مكوّنها الرئيسي الأسبوع الماضي شريطاً مصوراً يظهر فيه قائدها أبو محمد الجولاني وهو يخطب في مقاتليه، مؤكدا التمسك بالخيار العسكري ورفض الاستسلام.
وبدا واضحا ان قائد "هيئة تحرير الشام" وزعيم "النصرة" سعى الى ايصال رسالة واضحة وحازمة للثلاثي أنقرة-طهران-موسكو الذي تردد انّه اتفق مؤخرا على تفكيك الهيئة. فقال الجولاني إن "خيارنا العسكري هو رأسمالنا الذي نحن لا تستغني عنه أبداً. نتوقف باستراحة مجاهد حتى نرتب ونجهز أنفسنا للغزو، اما أن نلغي الخيار العسكري فهذا لن يحلم به أعداؤنا".
واعتبر الخبير في الجماعات المتطرفة عبد الرحمن الحاج ان الجولاني أراد أولا من خلال ظهوره الأخير "الرد على منتقدي تفاهم النصرة مع القوات التركية والذي تم بوساطة الجيش الحر، وذلك بهدف الحفاظ على تماسك الجبهة التي تتعرض بالفعل للتشقق بسبب مواقف الجولاني البراغماتية وتزايد اغتيالات الشرعيين والأمنيين الأجانب فيها". وأشار الحاج الى انّه أراد كذلك "توجيه رسالة إلى الأتراك، مفادها انهم لن يلقوا السلاح وأنهم قوة منظمة قادرة على المبادرة ولا يمكن تجاوزها وأنها مستعدة للمواجهة".
ولا يعير المصدر العسكري المعارض الكثير من الأهمية للتصريحات العلنية للجولاني، مذكرا بأن "النصرة" وقبل ساعات من دخول الأتراك الى جبل بركات كانت تتوعد بمواجهة الجيش التركي والتعاطي معه كجيش احتلال، فاذا بها تؤمن حمايته وتواكبه حتى النقاط التي استحدثها بريف حلب. ويضيف المصدر: "اليوم يهدد الجولاني مجددا بالحل العسكري، ولكن الجميع يعي تماما ان المصالح هي التي تحركه لا المبادىء، ولا نعتقد ان هناك اي مصلحة له بمواجهة الأتراك لذلك سنرى قريبا خطوات من قبله تناقض أقواله".
وبانتظار اتضاح معالم الخطة التركية النهائية للتعامل مع أزمة ادلب، يترقب الطرفان الايراني والروسي بكثير من الحذر خطوات أنقرة ويُعدان خطة "ب" بعيدا عن الأضواء للتعامل مع اي انقلاب تركي على اتفاق آستانة.