لا تزال العديد من علامات الإستفهام تطرح حول الطريقة التي نفذت فيها الحكومة التركية تعهداتها في ما يتعلق بمنطقة تخفيض التصعيد في محافظة أدلب السورية، التي تم الإتفاق حولها في مؤتمر الاستانة الذي يضم كل من روسيا وإيران أيضاً، لا سيما بعد إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن العمليات العسكرية التي يقوم بها جيش بلاده في محافظة إدلب آتت ثمارها بشكل كبير، وأن الهدف المقبل لهذه العمليات سيكون منطقة عفرين التابعة لمحافظة حلب. وتسيطر على هذه المدينة حالياً "قوات سوريا الديمقراطية"، والهدف من المسألة هو عدم الدخول في مواجهة مع "هيئة تحرير الشام"، أي جبهة "النصرة" سابقاً، والذهاب إلى التفاهم معها بشكل أو بآخر. في هذا الوقت، عاد منظّرو "القاعدة" إلى الساحة السورية من جديد، في مؤشر خطير لما يتم التخطيط له بالنسبة إلى المرحلة المقبلة.
فقد أطلق 8 منظرين في التنظيم الإرهابي مبادرة صلح بين هيئة "تحرير الشام" و"جيش الإحرار" والمبايعين لتنظيم "القاعدة"، على أساس العودة إلى "أهل العلم وتسليمهم الزمام لحل المعضلات والفصل في قضايا الخلاف"، فيما كان القائد العام لـ"تحرير الشام" أبو محمد الجولاني قد أعلن قبل أكثر من عام عن فك إرتباط "النصرة" مع "القاعدة"، معلناً تأسيس هيئة "فتح الشام"، وسط تناقض عن مدى تنسيق هذه الخطوة مع تنظيم "القاعدة".
وفي هذا الاطار، تم توقيع المبادرة الجديدة من قبل كل من: أبو قتادة الفلسطيني، أبو محمد المقدسي، أبو عبد الله الهاشمي، أبو حذيفة السوداني، أبو الفضل الحدوشي، أبو عبد الرحمن المكي، إضافةً إلى الشيخين أبو ماهر ملاحم وأبو محمود نائل مطران، وهؤلاء معروفون بقربهم من ايمن الظواهري، وهو سبق له أن أقدم على ذكر بعضهم بالاسم في رسالات سابقة.
إنطلاقاً من ذلك، تتحدث مصادر متابعة، عبر "النشرة"، عن حال من الغموض تسيطر على الواقع السوري، لا سيما بعد الدخول التركي إلى إدلب، حيث كان من المنتظر أن يكون هناك معارك قاسية بين أنقرة و"تحرير الشام"، نظراً إلى أن الأخيرة لم تكن توحي بإمكانية الوصول إلى أي إتفاق سواء كان ذلك بشكل
مباشر أو غير مباشر، لكن المصادر توضح أن الظروف، خصوصاً على المستوى الشعبي الرافض، لم تترك لـ"تحرير الشام" أي خيار، نظراً إلى أن المواجهة العسكرية لم تكن لتصب في مصلحتها.
أمام هذا الواقع، تشير المصادر نفسها إلى أن الهيئة تواجه أزمة كبيرة، تتمثل بشكل أساسي في كيفية العمل على الترويج لنفسها بقالب جديد قادر على التفاوض والتوصل إلى تفاهمات سياسية من جهة، بالإضافة إلى معالجة أزمة الفئات المتطرفة التي لا يمكن أن تقبل بمثل هذا الحل مهما كان الثمن، وتلفت إلى أن بعض العناصر إختاروا الإبتعاد عنها، في حين أن المعلومات بدأت تتحدث عن إمكانية تشكيل تنظيم جديد يمثل مشروع "القاعدة" بشكل رسمي.
وتذكّر هذه المصادر، في هذا المجال، بدعوة نجل زعيم "القاعدة" السابق حمزة أسامة بن لادن إلى "الجهاد" في سوريا، لتؤكد بأن التنظيم لا يزال يراهن على هذه الساحة كي تكون قاعدة عمل له، وترى انه يعمل على جذب ما تبقى من عناصر "داعش"، وتضيف: "خطوة منظري القاعدة الجديدة لا تأتي من فراغ، لكن الحكم عليها سيكون في الأيام المقبلة، خصوصاً أن "تحرير الشام" ليست في وارد العودة إلى الوراء في هذه المرحلة".
في المحصلة، أسئلة كثيرة لا تزال تُطرح حول واقع الجماعات المتطرفة العاملة على الساحة السورية، خصوصاً في ظل مساعي "القاعدة" للعودة إلى واجهة "الجهاد" العالمي من جديد.