جاءت حادثة حي السلم إثر إزالة المخالفات عن الطرقات لتزيد الطين بلة على حزب الله الذي يتعرض لهجوم إعلامي وإنتقادات شعبية لأداء نوابه خصوصا في البقاع. يقول مؤيدو الحزب أن المستفيدين من إزالة المخالفات هم مئات أضعاف المتضررين منها، لكن تصريحات المتضررين امام وسائل الاعلام ومضمون التهجم على قيادة الحزب أوجدت إنقساما عند الجمهور الشيعي، البقاعي تحديدا. حساسية الموقف أنه أتى في زمن الانتخابات التي تحلّ بعد أشهر. فالانتقادات لسياسة الحزب الداخلية ذات الطابع الإنمائي ليست وليدة حادثة حي السلم، لا بل هي تتكرر يوميا في البقاع وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
تزداد النقمة الشعبية على نواب بعلبك-الهرمل جميعهم من دون إستثناء، وخصوصا الذين تولوا مناصب حكومية. لذلك يتعرض وزير الصناعة حسين الحاج حسن لانتقادات لم تعد سرية، بل صارت علنية على صفحات التواصل واخرها من نجل شهيد في الحزب، بعد حادثة شمسطار الشهيرة. أيضا لا يخفي الجمهور البقاعي تذمراً من وزير الزراعة غازي زعيتر الذي يتهمونه بالتقصير خلال ولايته النيابية الطويلة، وقد زاد التذمر في الآونة الأخيرة بعد تولي زعيتر وزارة الزراعة وتدهور حال المزارعين في البقاع والضبابية التي رافقت عمل الوزارة وسوء تصرفها إزاء الرخص الزراعية وغيرها، على حد قول المزارعين البقاعيين. إنتقادات عدة تطال زعيتر من قبل مزارعي الموز أيضا في المناطق الساحلية والتفاح في المناطق الجبلية.
في الواجهة انتقادات للحاج حسن وزعيتر اللذين شغلا حقائب وزارية عدة من دون أن ينالا رضى البقاعيين، وضمنيا يطالب الناس بتغيير كل النواب الحاليين "لعجزهم عن تلبية حاجات البقاعيين". يقول مؤيدو الثنائي الشيعي انهم ينحازون سياسياً الى الحزب والحركة لكنهم يريدون نوابا جدد، ويسأل أحدهم: ماذا فعل النائب حسين الموسوي في المجلس النيابي؟ اي إنجازات تشريعية وتنموية قام بها النواب الآخرون؟ لا يبدو الرضى ظاهراً بشكل عام الاّ على النائبين وليد سكرية وإميل رحمة فقط، بحجة أنهما كانا متواجدين وعلى قدر التمثيل للمنطقة في الملمّات. تلك المطالب بالتغيير تضع رئيس مجلس النواب نبيه بري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أمام تحديات بقاعية لإختيار الأنسب للمرحلة المقبلة، وخاصة أن اطرافا سياسية تحضّر لخوض معارك انتخابية قوية تعتمد على أصوات السنّة والمسيحيين لنيل الحاصل الانتخابي الذي يكفل بخرق معقل حزب الله.
لم تعد عائلات وعشائر البقاع كما كانت عليه في أعوام ما قبل الحرب اللبنانية. لا يوجد زعيم واحد لعشيرة او لعائلة قادر على لم شمل أبناء عشيرته، لأن الولاءات الحزبية والمصالح تعددت، وفرّقت مفهوم العشائرية. يتذكر أحد وجهاء العشائر أن رئيس مجلس النواب الاسبق الراحل صبري حمادة كان يكتفي بالاتفاق مع زعماء العشائر للاستحصال على أصوات انتخابية كاملة. لكن اليوم تشتت شمل العشائر، وصار لكل منها مجموعة وجهاء وعدد من المرشحين والتزامات سياسية وشخصية متنوعة في كل اتجاه، عدا عن الاحزاب التي تعتمد في جمهورها على أبناء العشائر بالدرجة الاولى. توحي المعطيات ان أكثر من مرشحيْن او ثلاثة في كل عشيرة سيخوضون السباق الانتخابي بسبب طبيعة القانون النسبي، لاعتقادهم أنه يؤمن لهم إمكانية الفوز، وهذا سيؤدي الى بعثرة الأصوات. ولذلك لم تعد حسابات العشائر قائمة في الوجدان السياسي، لا بل إن أبناء العشائر يطالبون بتغيير الأسماء والاطلاع على مرشحين جدد.
حتى الآن لم يحسم حزب الله أسماء مرشحيه وسط معلومات تفيد عن قرار التغيير الشامل في البقاع الشمالي، لكن حركة أمل تميل بإتجاه إبقاء زعيتر الذي سمّته لوزارة الزراعة في الحكومة الحالية لتحضير نفسه للانتخابات النيابية المقبلة، رغم أن جمهور الحركة لا يخفي الرغبة بتسمية مرشح آخر لجذب مزيد من الأصوات التفضيلية التي يجذبها التغيير. اما الحزب القومي السوري فلم يسم بديلا من النائب مروان فارس لعدم حسم طائفة المقعد الخاص به: هل يكون شيعيا ام سنيا ام مارونيا في حال سمّى حزب الله الوزير السابق البير منصور عن المقعد الكاثوليكي؟.
وحده حزب البعث بات مستبعداً عن اللائحة البقاعية، وقد يكون اللواء جميل السيّد بديلا من النائب عاصم قانصو. لم يحسم الأمر بعد، بإنتظار الكلمة النهائية لحزب الله. وبخصوص المقعدين السنيين لا تظهر اية معلومات جدية حول المرشحيْن على لائحة الحزب، بينما حظوظ رحمة هي الاوفر مارونيا.
بالمقابل يعمل معارضو حزب الله على تأليف لائحة تستطيع الخرق بأكثر من مقعد من خلال تأمين الحاصل الانتخابي المطلوب، وفي حال تحالف تيار المستقبل مع حزب القوات مع شخصيات شيعية وازنة تحقق هذه اللائحة نتائج يمكن ان تفرض اكثر من نائبين وخصوصا في المقاعد السنية والمسيحية التي ستصب لها الاصوات التفضيلية.
لا يكفي خطاب حزب الله عن دور المقاومة لشد عصب جمهوره، فالعنوان الإنمائي يتقدم هذه المرة في بعلبك-الهرمل، بعد ازدياد نسب العاطلين عن العمل ومشاكل الزراعة التي تبوأ وزارتها حزب الله وحركة امل من دون أن ينالا رضى الجمهور البقاعي. لذلك سيعمد الحزب الى تغيير الوجوه لمخاطبة الرأي العام بأسلوب جديد وإمتصاص النقمة، خصوصا اذا كان المرشحون يحملون أملا بالتغيير وقادرين على مخاطبة الرأي العام لا الاعتماد فقط على خطابات نصرالله لتحشيد الناخبين.