لا يخفى على أحد أن السيناتور الأميركي ايد رويس هو رأس حربة الهجوم الأميركي الراهن على حزب الله من خلال فرض العقوبات المالية. التدقيق في سيرة الرجل يشرح أن الحاجة إلى المال الانتخابي وكره الإسلام والمسلمين قد يكونان من الدوافع الأساسية لمواقفه وأفعاله
«يجب أن نقف مع إسرائيل لأن مواطنيها يتعرضون للترهيب»، قال السيناتور الأميركي إدوارد رويس، إذ إن «أميركا وإسرائيل تتقاسمان القيم نفسها وتواجهان تهديدات مشتركة، وبصفتي رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، إنني ملزم بالعمل مع حليفنا في إحدى أخطر المناطق في العالم من أجل مواجهة التحديات حاضراً ومستقبلاً».
يأتي صدور ثلاثة قوانين أميركية جديدة تستهدف حزب الله وإيران يوم الأربعاء الفائت في هذا الإطار. ويُعَدّ رويس المهندس الأساسي للهجوم المركَّز الذي تشنه واشنطن على حزب الله بعد العجز الذي تعاني منه الخطط الأميركية في المنطقة.
القوانين الأميركية الجديدة تعاقب أفراداً محددين وحكومات على رأسها الحكومة الإيرانية، التي تقدم الدعم والمساعدة «المالية والعسكرية والترويجية» لحزب الله. وتشير هذه القوانين إلى معاقبة «الذين يستخدمون المدنيين كدروع بشرية» وتدعو الاتحاد الأوروبي إلى تصنيف الحزب بكامل أعضائه منظمة إرهابية (يقتصر حالياً التصنيف الأوروبي بالإرهاب على «الجناح العسكري» في الحزب).
«حزب الله هو عميل إيران الإرهابي الأساسي، وهو يزيد خطورة»، قال رويس في معرض إعلانه صدور القوانين الجديدة، مضيفاً أن «هذه القوانين هي رسالة قوية بأن الولايات المتحدة لن تتغاضى عن هذا التهديد».
القوانين الثلاثة التي صدرت هذا الأسبوع هي مجرد متابعة لاستراتيجية يتبعها رويس منذ توليه رئاسة لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس عام 2013 لاستهداف التهديدات المتعاظمة للمصالح الأميركية ــ الإسرائيلية من خلال تطور قدرات حزب الله العسكرية والأمنية والسياسية والاجتماعية. ومنذ العام السابق، تركّز هذه الاستراتيجية على استخدام القطاع المصرفي في لبنان أداة للضغط وسبيل للمواجهة. «هناك تحسن» قال رويس في أيلول الفائت، لافتاً إلى «أن العديد من المصارف اللبنانية الخاصة تقوم بما ينبغي أن تقوم به». وأضاف أن «عميل إيران حزب الله هو مصدر عدم الاستقرار في لبنان». وساوى رويس بين دعم الحزب للرئيس بشار الأسد وتهديده من خلال «تصويب مئة ألف صاروخ على إسرائيل». فبالنسبة إلى السيناتور الأميركي، إن خطة إزالة الأسد تتلازم مع مبدأ حماية أمن الكيان الصهيوني. وعندما سأله الصحافي أوليفيه هولمي (موقع «يوروموني» الإخباري) عن توسيع المصارف اللبنانية إطار العقوبات التي تستهدف حزب الله من خلال استهداف «مستشفيات لها علاقة بحزب الله وأفراد عوائل منتسبين إليه»، أجاب رويس: «المصارف اللبنانية تقوم بما ينبغي أن تقوم به من خلال تصرفها الاستباقي، وعليها أن تبقى كذلك لتجنب العقوبات الأميركية».
من هو السيناتور الجمهوري إدوارد رادال رويس، وما هي الخلفية الحقيقية لمواقفه الهجومية الحادة ضد حزب الله؟
رويس سيناتور منتخب في ولاية كاليفورنيا، وهو من أبرز المؤيدين للرئيس الأميركي دونالد ترامب. كان قد انتخب عام 2013 رئيساً للجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، وأُعيد انتخابه لهذا المنصب عام 2016. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الرجل تكبد مصاريف ضخمة لحملاته الانتخابية في كاليفورنيا تزيد أضعافاً على مصاريف منافسيه منذ وصوله إلى الكونغرس. ففي انتخابات عام 2000 مثلاً، صرف رويس أكثر من 300 الف دولار بينما صرف منافسه الأساسي جيل كانيل 25 الف دولار، وفي انتخابات 2002 صرف رويس 845 ألف دولار مقابل صرف منافسته كريستينا أفالوس 10 آلاف دولار، وفي انتخابات عام 2004 صرف رويس أكثر من سبعمئة ألف دولار، مقابل عدم صرف منافسه تيلمان ويليامز دولاراً واحداً، وفي انتخابات 2006 صرف رويس مليوناً وثلاثمئة ألف دولار مقابل صرف منافسه فلوريس هوفمان 140 ألف دولار، وفي انتخابات عام 2008 صرف رويس مليوناً و170 ألف دولار مقابل عدم صرف منافسته كريستينا أفالوس دولاراً واحداً، وتكرر الأمر نفسه في انتخابات 2010، وفي انتخابات عام 2012 صرف رويس أربعة ملايين و500 ألف دولار، بينما صرف منافسه 714 ألف دولار، وفي انتخابات عام 2014 صرف رويس مليوناً و743 ألف دولار، مقابل صرف منافسه بيتر إندرسن أربعة آلاف دولار، وأخيراً في انتخابات 2016 صرف رويس ثلاثة ملايين و531 ألف دولار، مقابل صرف منافسه 76 ألف دولار.
تدل هذه الأرقام على علاقة قوية تربط إيد روس بمصادر تمويل حملاته الانتخابية وإلى حاجته المستمرة لتأمين مئات آلاف الدولارات قبيل كل استحقاق انتخابي منذ عام 2000. ولا شك في أن عضويته في «مؤسسة حلفاء إسرائيل» «Israel Allies Foundation» وتقاربه مع سياسيين إسرائيليين، فضلاً عن زياراته المتكررة لتل أبيب، تتيح له فرصاً عديدة لجمع المال الانتخابي.
هذا في التمويل والمصالح المادية. أما بالنسبة إلى مواقف السيناتور بشأن الإسلام والمسلمين عموماً، فهي لا تختلف عن مواقف الرئيس ترامب بهذا الشأن، لا بل قد تزيدها حدة في بعض الأحيان. فالسيناتور رويس كان قد شارك عام 2011 في تظاهرة في «أورانج كاونتي» اعتراضاً على عشاء أقامته وكالة إغاثة إسلامية في كاليفورنيا. وتهجّم المتظاهرون يومها على الرجال والنساء والأطفال الذين حضروا العشاء، مطلقين عبارات نابية بحق النبي محمد ومعبِّرين عن كرههم للإسلام والمسلمين.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن أحد منظمي هذه التظاهرة هو الحاخام ديفد ايليزريا، رافعاً شعار «نحن نحاصرهم». وفي نفس الفيديو يظهر ايد رويس وهو يلقي كلمة أمام الحشود من المتظاهرين وهم يهتفون للمسلمين: «عودوا إلى دياركم» للمطالبة بطرد المسلمين من الولايات المتحدة الأميركية. خطب فيهم رويس قائلاً: «إحدى أهم المشاكل التي نواجهها اليوم هي أن أولادنا يتعلمون في المدارس أن كل فكرة هي فكرة صحيحة ولا يجوز أن ينتقد أحدنا مواقف الآخرين، ولو كانت بغيضة، وماذا يسمون ذلك؟ يسمونه احترام التنوع الثقافي. وهذا التنوع الثقافي يحرم العديد من المواطنين الأميركيين اتخاذَ الموقف الذي ينبغي أن نتخذه حتى نتطور كمجتمع». لكن رويس تراجع لاحقاً عن تأييد شعارات الكراهية، متهماً عناصر غير منضبطة بإطلاقها!
قد يساهم تحليل الجانبين المالي والإسلاموفوبي في حياة ايدوارد رويس في تكوين فهم دوافع اختياره من قبل المؤسسة الحاكمة، ليكون رأس حربتها في وجه حزب الله، كما لفهم انفعالاته اللافتة خلال المرحلة الأخيرة. فلدى ظهور عتاد عسكري أميركي المنشأ (كناقلات الجند من نوع أم 113) في صور لقوات حزب الله العسكرية في سوريا، انتفض رويس داعياً إلى مراجعة المساعدات الأميركية للجيش اللبناني، إذ يبدو أن السيناتور اللامع الذكاء والمعرفة يظن أن الجيش اللبناني هو من مصادر تسليح حزب الله.