الحرب في سورية وعليها مستمرّة. هي عنوان حرب أميركا و«إسرائيل» على المقاومة أينما تكون وكيفما تكون. كلّ أنواع العقوبات على سورية وحزب الله و«حماس» وإيران هي فعل حربٍ على المقاومة. الوجود العسكري الأميركي في سورية، بأيّ شكلٍ وبأيّ ذريعةٍ، هو حرب على المقاومة. طالما أميركا موجودة في سورية، فإن الحرب على المقاومة مستمرّة. طالما العقوبات على سورية وإيران وحزب الله و«حماس» مستمرة، فإنّ الحرب على المقاومة مستمرّة.
المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا دعا الأطراف المعنيين إلى عقد مؤتمر «جنيف 8» يوم 28 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل. قال إنّ الغاية المتوخاة هي البحث في إجراء انتخابات في سورية وفي دستور جديد لها. هل الأطراف المدعوّون إلى جنيف معنيون حقاً بوقف الحرب وبإحلال السلام في سورية؟
نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي جوان بولاشيك قال: «أميركا ستنسحب من سورية بعد إنهاء الإرهاب». هل انتهى الإرهاب في سورية؟ متى ينتهي؟ مَن يقرّر أنّ الإرهاب انتهى في سورية لتكون أميركا ملزمة بإنهاء وجودها العسكري فيها؟
لا قرارَ من مجلس الأمن الدولي يجيز لأميركا نشر قوات في سورية. لا موافقة من سورية على نشر قوات أميركية في أراضيها. لا قرار من الأمم المتحدة يجيز لما يُسمّى «التحالف الدولي ضدّ الإرهاب» نشر قوات أميركية او غير أميركية في سورية. روسيا شدّدت على هذه المخالفة وحذّرت من التمادي فيها. لكن تركيا حذت حذو أميركا فنشرت قوات لها في محافظة إدلب السورية.
سورية تعتبر الوجود العسكري الأميركي كما الوجود العسكري التركي احتلالاً مكشوفاً ومخالفاً لأحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. أليس من المنطقي بل الضروري، والحال هذه، أن يكون البند الأول في جدول أعمال مؤتمر «جنيف 8» البحث في إنهاء الاحتلال الأميركي والاحتلال التركي لسورية؟
في المقابل، يتجّه الجيشان السوري والعراقي الى السيطرة على الشطر الأكبر من الحدود السورية – العراقية. الجيش السوري حرّر محطة T-2 وفتح سبيلاً صحراوياً مؤدّياً الى مدينة البوكمال الحدودية. الجيش العراقي بات في محيط مدينة القائم الحدودية. ثمة تخطيط ضمني، على ما يبدو، ليلتقي الجيشان على طول الحدود من معبر ربيعة في الشمال الى معبر البوكمال في الوسط. ماذا ستفعل القوات الأميركية المتمركزة على مقربة من معبر التنف في الجنوب الشرقي؟ هل ستمنع بالقوة تواصل الجيشين والبلدين وتعاونهما؟ هل ستمنع بالقوة، وبدعم «قوات سورية الديمقراطية – قسد» المتقدّمة من الرقة، إقامةَ جسر بري لوجيستي يمتدّ من طهران إلى بيروت عبر بلاد الرافدين وبلاد الشام؟
«إسرائيل» تعتبر دعم إيران لسورية في حربها على الإرهاب تدخلاً يهدّد أمنها القومي. في خطابه أمام الكنيست يوم الاثنين الماضي، «صنّف نتنياهو التدخل الإيراني في سورية خطراً واضحاً ومباشراً على إسرائيل أكبرَ من التهديد النووي» صحيفة «هآرتس» 2017/10/24 . هذا الموقف يعني ويستتبع، بالضرورة، انّ «إسرائيل» وأميركا ستثابران على ممارسة شتى أشكال الحرب في سورية وعليها بدعوى محاربة الإرهاب. ذلك أنّ إيران وحزب الله هما، في نظرهما، جهتان إرهابيتان تهددان أمنهما القومي.
ما العمل؟
الجواب: الدفاع المشروع عن النفس. استمرار الحرب في سورية وعليها يتطلّب استمرار الدفاع عن النفس. هذا يتطلّب بدوره تفعيلاً وتوسيعاً للمقاومة لغاية استعادة سورية جميع مناطقها الواقعة تحت سيطرة «داعش» و«النصرة» وأخواتهما، أو تحت سيطرة أميركا في التنف ومحافظتي الحسكة والرقة، أو تحت سيطرة تركيا في إدلب وشمال سورية، أو تحت سيطرة «إسرائيل» في جوار الجولان المحتلّ وفي جنوب لبنان تلال شبعا ومزارعها المحتلة .
الدفاع عن النفس يتطلّب تعزيز المقاومة والتحالف مع تنظيماتها في مواجهة الإرهاب والاحتلال. العراق وسورية مدعوّتان إلى تنسيق قواهما الحكومية والشعبية وإلى التحالف المتين في هذه المرحلة العصيبة لمواجهة تحديات أميركا و«إسرائيل» والمجموعات المحلية الوكيلة لهما. وإذا كان العراق وسورية وإيران قد اتفقت ونجحت في إحباط استفتاء البرزاني في كردستان العراق وأنهت مساعيه لقضم كركوك ومناطق أخرى متنازع عليها في شمال البلاد وشرقها، فإنها مطالَبَة كذلك بالاتفاق على إحباط أيّ مشروع إداري – سياسي لامركزي تتولاّه «قوات سورية الديمقراطية» الكردية الموالية لأميركا، الناشطة بمعزل عن قرار الحكومة المركزية في دمشق، قبل تفاهم الأطراف السورية المتصارعة، خارج مؤتمر جنيف أو داخله، على تسوية سياسية تاريخية لإعادة بناء سورية الموحّدة دولةً مدنية ديمقراطية.
من هنا يستقيم الاستنتاج أن لا جدوى لـ»جنيف 8» طالما حرب أميركا و«إسرائيل» وتنظيمات الإرهاب الموالية لهما على سورية مستمرّة. وإذا ما ارتأت روسيا، بالتفاهم مع تركيا وبتأييد ضمني من أميركا، الضغط على سورية للمشاركة في «جنيف 8» قبل تحرير جميع مناطقها المحتلة أو الخارجة عن سيادتها، فإنّ في مقدور سورية الامتناع عن المشاركة سنداً إلى حجة مشروعة هي أنّ أطرافاً دولية مدعوّة الى المؤتمر تشارك في الحرب المستمرّة عليها، بل ضالعة في احتلال مناطق حيوية من البلاد.
حتى لو تنامى الضغط، عربياً وإسلامياً ودولياً، على سورية كي تشارك في «جنيف 8»، فإنّ في وسعها أن ترتضي المشاركة من دون شروط وبالتالي أن تستمرّ، بلا هوادة، في الدفاع عن نفسها مدنياً وميدانياً وبمشاركة وازنة من حلفائها وفي مقدّمهم قوى المقاومة العربية بغية تحرير مناطقها المحتلة واستعادة سيادتها عليها. ألم يثابر ثوار فيتنام على المقاومة أثناء مراحل المفاوضة مع أميركا لغاية انتهاء الحرب وإحراز النصر؟
الحرب المستمرة في سورية وعليها تتطلّب استمرار المقاومة ضدّ صانعي الحرب ومستغلّيها. المفاوضة من أجل تسوية سياسية لائقة للصراع مُهمةٌ مشروعة، لكنها ليست أكثر مشروعية من المقاومة في سياق الدفاع عن النفس ومن أجل تحرير البلاد واستعادة وحدتها وسيادتها وبناء دولتها المدنية الديمقراطية.
المفاوضة مطلب محقّ ومهمّ. المقاومة نهج أفعل وأهمّ.