ماذا تريد السعودية من الرئيس سعد الحريري؟
في الشكل، لا بد من تسجيل «إهانة» وقعت على لبنان، رغم أنها باتت معتادة في حالات مماثلة. أن يُستدعى رئيس الحكومة للذهاب إلى السعودية (أو أي بلد آخر)، فيلغي مواعيده، ويسافر بلا إبطاء، فتلك إهانة وتجاوز لكل أعراف العلاقات الدبلوماسية الطبيعية بين أي دولتين «مستقلتين». الحاكم الفعلي لأي دولة، كمحمد بن سلمان في حالة السعودية، يكون جدول أعماله مقرراً مسبقاً، ولا مفاجآت فيه، إلا في حالات الطوارئ والضرورة القصوى.
لكن الرياض تريد دوماً أن تُظهر سطوتها على البلدان التي ترى وجوب أن تكون ملحقة بها. لبنان من أفضل الأمثلة على ذلك.
في المضمون، يبدو أن الجنون يسيطر على السياسة السعودية تجاه لبنان. فوزير الدولة السعودي لشؤون الخليج، ثامر السبهان، ليس بوقاً جرت ترقيته بعد طرده من بغداد، على خلفية تدخله في الشؤون السيادية للعراق، وحسب. هو يعبّر عن سياسة حكام الرياض. تعمّد التدرج في رسائله، وصولاً إلى إصدار أمر عمليات إلى رئيس الحكومة: يجب إخراج حزب الله من الحكومة.
ما هي خيارات الحريري؟ مدير مكتبه، نادر الحريري، أطل أمس على شاشة تلفزيون المستقبل، ليؤكد التمسك بالتسوية التي أدت إلى وصول الرئيس ميشال عون إلى قصر بعبدا، والرئيس الحريري إلى السرايا الحكومية. ونادر الحريري لا يعبّر هنا عن موقف شخصي أيضاً، بقدر ما ينطق باسم رئيس مجلس الوزراء. خيارات الأخير ضيقة: أن يستقيل؟ يعني ذلك أنه سيخرج من السلطة، بلا ضمانة للعودة قريباً. أن يعتكف؟ خطوة كهذه تبدو أشبه بمن يُطلق النار على قدميه، في بلاد اعتادت أن تعيش فراغاً رئاسياً لأكثر من سنتين، وفراغاً حكومياً لأشهر، فيما هو يمنّي نفسه بتقديم إنجازين للبنانيين قبل الانتخابات النيابية، ليتمكّن من لملمة بعض ما فقده شعبياً في سنوات المنفى الاختياري. والخياران السابق ذكرهما يؤديان إلى خسارته دعم رئيس الجمهورية الذي يُسهّل له الحصول على ما يشاء، وتأييد الرئيس نبيه بري الذي يقف إلى جانبه «ظالماً ومظلوماً»، ويعيدان الانقسام إلى ما كان عليه قبل سنوات. وفي الانتخابات المقبلة، التي ستُجرى وفق النسبية، لا أحد يضمن أن يعيد «فريق 14 آذار» تسجيل النتائج ذاتها التي حققها عام 2009. ما الذي يمكن ان يكسبه الحريري من إحدى المغامرتين؟ لا شيء، يجيب مقرّبون منه، سوى الرضى السعودي الذي لم يُنتج له سابقاً سوى الخيبة.
ماذا تريد السعودية؟ لا شيء سوى الجنون، يجيب متابعون لسياستها في المنطقة، ممن أنهم لا يكنّون لها العداء. فلنراجع أداءها في الإقليم: ماذا جنت من حرب اليمن غير تدميره وحصاره وتجويع شعبه وخلق بيئة ملائمة لعداء لا يمكن محوه بسهولة؟ ما الذي كسبته في العراق؟ ليس السؤال هنا عن عراق اليوم فحسب، بل عراق صدام حسين، غازياً إيران بدعم من الرياض، ثم منسحباً من الكويت، ثم محاصَراً من الأميركيين بدعم من الرياض، ثم مُحتلاً بدعم من الرياض أيضاً، ثم منقسماً على نفسه، ثم محتلاً من داعش، ثم معرّضاً للتقسيم؟ كل ذلك جرى برعاية أو مدد سعودي، لكل ما يصيب بلاد الرافدين من شرور. ماذا كسبت الرياض من ذلك؟ لا شيء سوى تدمير اليمن والعراق، وبينهما سوريا التي خرج منها آل سعود بأقل مما كان لهم قبل عام 2011. إنّ من يخوض في مسارات تدميرية كهذه، لن يثنيه شيء عن ممارسة سياسة جنونية في لبنان، لا يكسب منها سوى تعريض الاستقرار للخطر، وإلحاق خسائر بحلفائه.
خيارات الحريري ضيقة. لكن السعودية اعتادت الجنون.