الإنتخابات النيابية​ المقبلة على الابواب، وعلى الرغم من ذلك تبدو قوى السلطة مرتاحة الى عودتها الاكيدة الى المجلس من دون تبدّل جوهري أو جذري يُذكر.

فالخوف من «تسونامي» تغيري يُبدّل الموجود يتلاشى يوماً بعد يوم، صحيح أننا كلّما اقتربنا من موعد إجراء الانتخابات سنعيش أياماً مضحكة وحماسية لمَن يُدرك أسرارها، ومقلقة وسوداوية لمَن لم يعتد طرق خوض الانتخابات في ​لبنان​ من قبل الطوائف والاحزاب والافراد، ولكنها ستختصر على تنافس أركان السلطة في ما بينهم على اقتسام كعكة المجلس، بحيث لا مكانَ تحت شمس الانتخابات لمعارضة حقيقية ناضجة لديها برنامج واضح.

هي انتخابات بين أصحاب مشروع واحد ومصلحة واحدة وكل ما نشاهده على شاشات التلفزة ونراه ونعيشه في حياتنا اليومية، وكل ما نسمعه من مواقف وتحرّكات ونشاطات، يهدف الى شدّ العصب الجماهيري للوصول الى اليوم الموعود عند فتح صناديق الاقتراع أمام الناخبين في أيار 2018 بهدف المحافظة على الحجم الحالي للكتل النيابية ومنع اقتحامها لا من مشروع معارض بديل «أصلاً غير موجود»، أو أقلّه لم يتبلور لتاريخه وإنّما من مجموعات سلطوية أخرى.

فالتصاريح النارية والتي تثير النعرات الطائفية التي تطلق اليوم ليست بشيء وما هي إلّا استحماء لما سنسمعه في الايام المقبلة علينا، وعمليات فتح الملفات الشائكة والاضاءة عليها من دون محاولة الوصول الى حلّ لها سيتضاعف حجمها كلما اقتربنا من اليوم الكبير، أما زيارات الحج الى المناطق الداخلية والى بلدان ​الاغتراب​ فستتصاعد تدريجاً مع خطاب مناطقي وطائفي من «تحت الدست»، سيتحفنا به الاخوة الاعداء... كما أنّ المشاريع والانجازات وتحميل خزينة الدولة أعباء كنا بغنى عنها، سيصبح مع ازدياد التنافس أمراً مشروعاً لا بل ضرورياً ومطلباً جماهيرياً لا يرد كل ذلك في سبيل البقاء...

إنه زمن الانتخابات، والقانونُ جديدٌ لم يُجرَّب سابقاً يرتكز على نسبية هجينة تناسب التركيبة اللبنانية «الفريدة» وتأتي بعد انقطاع دام أكثر من تسع سنوات، وكل الامور والخطابات مرحَّب بها في هذا الزمن «الديموقراطي»، والأسلحة كلّها مسموحة والوعود الانتخابية كثيرة والناس جياع وأحوالهم المادية مهترِئة ويتعلقون بكل بارقة أمل ولو كاذبة... والناس ملزمة أن تختار بين السيّئ والأسوأ، لا بين مشروعَين أو خطّين لا يمكن أن يلتقيا كما يحدث في سائر الدول الديموقراطية، وذلك بسبب غياب معارضة حقيقية وعدم قدرتها على بلورة مشروع واضح أو خطاب جامع، فمنها مَن هو عالق في مرحلة ​الحرب الباردة​، وبعضها طفولي حالم، وفئة أخرى انتشت بنتائج ​الانتخابات البلدية​ من دون أن تراكم عليها أيَّ إنجاز جديد وصادرتها كأنها ملك لها، وبعض الافراد سارع للانضمام الى قوى السلطة لحجز مكان له في قطارها... من دون أن ننسى ذلك المعارض الشرس الذي يشتم أركان السلطة من طائفته مقدِّماً أوراق اعتماده الى رئيس حزب سلطوي من غير مذهبه...

في لبنان انتخاباتٌ مقبلة علينا نتائجها شبه معلومة، هي تنافس بين الفريق الواحد الذي ارتضى أن يقسم نفسه على فرق عديدة من اجل المشهد الديموقراطي... ومَن لا يصدّق عليه مراجعة ​الحكومة​ وتركيبتها وطريقة تمرير الملفات داخلها واتّفاق أفرادها على شعب يدور حول نفسه من دون أن يتمكّن من مغادرة مكانه أو أن يخترق الأرض تحت قدميه ليرتاح من ذلك الكذب الذي يعيش في وسطه.